الكويت، 4 أغسطس 2021 (csrgulf): تراجع مؤشر التوتر بين الدول العربية الى الحد الأدنى منذ 1978. وتراجعت عوامل التصادم والخلاف في مقابل زيادة ظهور حاجة ملحة للتضامن والتعاون. لكن التضامن قد يكون مؤقتاً بسبب عمق الخلافات الجوهرية.
ومنذ تفشي الوباء خلق فيروس كورونا فرصاً جديدة لتحسين العلاقات الديبلوماسية بين الدول العربية وتخفيف التوتر بينها من خلال بوابة المساعدات والمواقف الداعمة.
وحسب مؤشر CSRGULF لتقييم ورصد المخاطر فقد هدأت التوترات بين الدول العربية الى أدنى درجة لها منذ أحداث سببت انقسامات بين العرب أبرزها تطورات القضية الفلسطينية والتطبيع والأزمة الخليجية وسبقتها اختلاف الرؤى حول الإسلام السياسي وقبلها الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) سبقتها الانتفاضات الشعبية العربية التي سميت بـ”الربيع العربي” وحرب الخليج الأولى والثانية والخلاف حول الصحراء الغربية وصولاً لاتفاقات السلام (كامب ديفيد) بين مصر وإسرائيل في نهاية السبعينات. وعلى عكس هذه الأحداث التي سببت انقسامات متراكمة للتضامن العربي منذ خمسينات القرن الماضي، خلقت الجائحة مناخاً جديداً يحمل محفزات مستجدة وواعدة لإحياء التعاون العربي ومشاريع التكامل وتعزيز دور التكتلات، حيث تم رصد مؤشرات توثق توفر ظروف ملائمة تدفع نحو مسار تصاعدي لتوافق عربي محتمل حول الاستفادة من حجم الفرص المتاحة في ظل التعاون وكذلك الحاجة الماسة للتضامن ضد تهديدات متصاعدة مع تسارع وتيرة التنافس الدولي على توسيع النفوذ في العالم العربي. وتتصدر إسرائيل السباق الإقليمي والدولي في محاولة توسيع حضورها في الرقعة العربية تلتها إيران وتركيا والصين وروسيا والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي أبرزها فرنسا وبريطانيا.
وتبرر عوامل مثل مخزون الطاقة الهائل ونمو حجم السوق الاستهلاكية العربية ووفرة الموارد المالية والزراعية الضخمة بالإضافة للموقع الجيو-استراتيجي زيادة التنافس الدولي على المنطقة العربية، وهذا التنافس قد يزيد من عوامل التهديدات الخارجية التي تبرر زيادة توقع المد التضامني العربي للصمود أمام موجات رغبة التوسع العالمي والإقليمي في المناطق العربية.
وتواجه أغلب الدول العربية تداعيات ضخمة للجائحة ان تفاقمت فقد تهدد السلم والأمن للشعوب العربية دون استثناء ولا يبدو أن أغلب الدول العربية تستطيع بمفردها رفع التحديات التي تحتمها التداعيات والتهديدات المختلفة.
ومنذ بداية الجائحة دفعت ظروف الحاجة للمد التضامني العربي تقلص العثرات أمام تعزز التعاون الخليجي بنهاية المقاطعة بين كل من قطر وبقية الدول الخليجية والعربية، والأمر نفسه لاحقا بالنسبة لدول المغرب العربي حيث بدأت تتشكل بوادر مصالحة بين المغرب والجزائر من اجل حماية مصالح دول المغرب العربي المهددة اليوم أكثر من أي وقت مضى.
احياء فكرة تفعيل التجمعات العربية واخراجها من حالة الجمود خيار وان تكون دوافعه سياقات أوجدتها ظروف الجائحة يبقى التنافس على الزعامة الاقليمية ودور الاستقطاب الأجنبي والصراع الفلسطيني واختلاف المصالح من أهم تحديات تعزز التقارب والتضامن العربي وتوحد الرؤى.
الا أن تكلفة عدم التضامن العربي تبدو مرتفعة جدا في المنظور القريب أكثر من أي وقت مضى في مقابل زيادة درجة الاستفادة المتوقعة من تفعيل آليات التعاون العربي المشترك والقفز على الخلافات وحلًها بالحوار السلمي لرفع تحديات الأمن والأمن الغذائي والبيئي والتنمية.
وتبرر الاحصائيات المتدنية للاستثمار البيني والتبادل التجاري العربي دوافع رفع درجة التكامل والتعاون. ففي ظل خلاف القوى الدولية وتنافسها حول تحديد مستقبل دورها وتحالفاتها في الشرق الأوسط وشمال افريقيا زادت نسبة التهديدات الخارجية وخاصة احتمالات الاختراقات الأجنبية للأنظمة والمؤسسات العربية بهدف التجسس والعمل على دعم الفوضى المستمرة فيها وافتعال الأزمات لمنع وحدة الدول العربية، وأبرزها هذه الدول المهتمة بإضعاف تضامن العرب هي إسرائيل التي قد تستثمر في تقاربها مع دول عربية من أجل اجهاض تعزز التعاون العربي في المرحلة المقبلة وحث الدول العربية على التنافس بدل التعاون والظهور كحليف استراتيجي جديد باتفاقات متناقضة مع بلدان العالم العربي. وتعول حكومة إسرائيل على تحالفات أمنية واقتصادية بعيدة المدى مع الدول العربية ساعية لسد الفراغ الذي سيتركه الحليف الأكبر للدول العربية في المنطقة وهو الولايات المتحدة التي تخطط لزيادة الانسحاب الأمني من الشرق الأوسط وشمال افريقيا بعد التأكد من قدرة إسرائيل على حماية نفسها. ويبدو ان أن واشنطن تأكدت بالفعل وتدرس جديا وقف المساعدات لإسرائيل بعد معلومات ودراسات تشير لتسار مسار تحول الدول العبرية الى قوة عظمى مع فارق كبير مع بقية القوى الإقليمية عسكرياً واقتصادياً.
وزادت مؤشرات محفزات التضامن بين بلدان العالم العربي وارتفعت توقعات العمل العربي المشترك في المرحلة المقبلة. ولعلّ أزمات تونس ثم لبنان ففلسطين، فالعراق واليمن وليبيا والتي ارتبطت سواء بتضرر هذه الدول من الوباء أو من الركود الاقتصادي غير المسبوق، بررت زيادة التحركات والتصريحات الديبلوماسية العربية الداعمة لإنقاذ هذه الدول متجاوزة الخلافات العميقة التي ماتزال مستمرة رغم تحسن المد التضامني.
كما اتضح من أزمة مصر والسودان مع اثيوبيا حول سد النهضة زيادة التضامن العربي مع كل من مصر والسودان ضد التهديدات الاثيوبية. الى ذلك اثارت الكارثة الصحية التي عصفت بتونس دوافع جديدة للتعاون المغاربي حيث بدأت تتضح محفزات لانسجام حذر في الرؤى والمواقف المغربية الجزائرية رغم عمق الخلاف حول الصحراء الغربية. الى ذلك فان تقارب رؤى السلام المغربية والجزائرية للوضع في ليبا يمثل مقدمة تفاهمات واعدة بين البلدين قد يتم استثمارها في المستقبل.
ولا تزال تطورات الجائحة تؤثر على الديناميكيات والعلاقات بين الدول العربية وبين دول التكتلات الإقليمية كمجلس التعاون واتحاد المغرب العربي. ومع ذلك منذ تفشي الوباء، على سبيل المثال، أظهرت دول خليجية التزامًا قويًا بتخفيف التوترات في عدد من الدول العربية كاليمن ليبيا وسوريا ولبنان والعراق، مع تعهد أغلب هذه الدول بدعم المساعدات الإنسانية والطبية بين دول مجلس التعاون وبين الدول العربية، ومثل هذه المبادرات تسهم في ارتفاع مستوى التضامن العربي والذي يعتبر فرصة لإذابة ثلج الخلافات البينية.
وفي ظل فترة الوباء تم حلّ الأزمة الخليجية بين كل من السعودية والامارات والبحرين ومصر من جهة وقطر من جهة أخرى، حيث قدمت ضغوط الجائحة ظروفا استثنائية تضامنية حثت على تحفيز التفاوض من اجل تجاوز الخلافات والتضامن امام تغيرات كبرى تدفع اليها تداعيات الوباء. الا ان الخلافات العميقة وان أمكن تجاوزها بين دول الخليج مؤقتا الا انها جذورها باقية لعدم علاج اساسيات تراكمات الخلافات.
على مستوى الخلافات بين قطر ومصر، تراجعت مستويات الأزمة بين البلدين ومرت الى فتح باب التفاوض من أجل التعاون المشروط وان كان ذلك ضمن قيود. وكذلك الخلافات العربية حول ليبيا تراجعت بظهور نوع من التفاهم والتعاون بين دول الجوار الليبي كمصر وتونس والجزائر والمغرب.
كما سجل تقارب كبير بين الجزائر وتونس وليبيا، هذا التقارب مدفوعا بمبادرات مشاركة هذه الدول لدعم قضاياها الملحة، وكانت بوابة المساعدات لدعم انقاذ شعوب هذه المنطقة من جائحة كورونا دافعا مهما لبناء فضاء حوار بناء وإعادة جسور الثقة بين الأنظمة لتحسين مستويات التعاون مع توقعات بزيادة تدفق الاستثمارات المشتركة وتحسن توقعات آفاق ازدهار هذا الفضاء المغاربي المشترك.
كما مكنت الجائحة أيضا من دعم التقارب بين دول منطقة المغرب العربي والشرق الأوسط، حيث زادت النظرة الإيجابية لمدى التقارب التونسي المصري حول أولويات القضايا العربية، وتعزز الدعم المشترك بين الدولتين، وكذلك تعزز التعاون والانفتاح الخليجي علي الجزائر وبقية دول المغرب العربي. بالإضافة الى ذلك زادت نسبة التفاهم بين دول الخليج بما فيها قطر ومصر على دعم التسوية السلمية في ليبيا، ما قلص من نسبة الاستقطاب والتحالفات المضادة.
الى ذلك دعمت تداعيات الجائحة تقليص عوامل الخلاف بين الدول العربية خاصة على مستوى دعم التيارات الدينية السياسية والذي تراجع تأييده شعبياً، وثانياً على مستوى تقلص أدلجة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ودعم رؤية براغماتية للحل تشترك اغلب الدول العربية في تأييدها وتقوم على اساسيات المبادرة السعودية وهي إقامة دولة فلسطينية الى حدود عام 1967.
الى ذلك فان الوضع اللبناني المتأزم يثير مزيدا من التضامن العربي بدأ في التشكل منذ حاجة انفجار مرفئ بيروت 2020. وتتوافق اغلب الدول العربية في دعم استقرار لبنان سياسا واقتصاديا. كما ان الوضع في العراق وان كان مختلفا نوعا ما عن لبنان، فان هناك انسجام في المواقف العربية الخليجية والمغاربية والمصرية حول دعم استقرار العراق واعماره واعادته للحضن العربي. كما أثبت الالتفاف العربي حول دعم الكويت بعد وفاة أميرها الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح وتولي خلفه الأمير نواف الأحمد الجابر الصباح، تحسن مستوى ايجابية العلاقات بين كافة الدول العربية والدولة الكويتية. الى ذلك مثل تأييد أغلب دول العالم العربي نهاية الأزمة الخليجية بمثابة وقوف علني مع هدف التعاون العربي. كما اعتبر الموقف العربي المناصر للسعودية والمستنكر لاعتداءات الحوثيين واستفزازات إيران بمثابة تطور لافت للعمل العربي المشترك التي تعتبر المملكة أكثر الدول العربية حرصاً على ضمانه وتفعيله.
كما مثل تقلص دعوات عزل سوريا ديبلوماسياً مؤشر إيجابيا على وجود رغبة لإعادة سوريا للصف العربي، وقد يساعد التهديد الإسرائيلي ونمو ثقافة المقاومة على تقارب حذر بين النظام السورية وبقية الأنظمة العربية، حيث قد لا يشترط تعزز التضامن العربي اشتراك نفس معايير السياسية للأنظمة حيث يبقى مبدأ احترام سيادة الدول شرطا أساسيا لازدهار التضامن العربي في مرحلة ما بعد الوباء لكن تضامن يعكس شعورا شعبياً بالمد القومي العربي ضد تهديدات مشتركة ومن أجل فرص متشابهة لكن قد لا يبني قاعدة صلبة ومستقرة لتعاون مؤسسي بعيد المدى حيث يظل التضامن مرتبطا بقرارات فردية وقتية وليس بمسار تكامل مؤسسي.
2021 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (CSRGULF)