الكويت، 21 مايو 2021 (csrgulf): تفرض أحداث غزة ومآلاتها وحجم الدمار والضحايا متغيراً هاماً مؤقتاً من شأنه أن يؤثر بشكل مباشر على مسار التطبيع العربي والخليجي مع اسرائيل المعلن العام الماضي. ويكشف قرار إسرائيل الأخير عن وقف العمليات وإطلاق النار مع المقاومة الفلسطينية من طرف واحد محاولة علنية لتفادي تصعيد الحرب ومآلاتها بعد تكبد خسائر فادحة من سلاح المقاومة فضلاً عن رغبة مبطنة لعدم احراج الشركاء العرب بغاية إنقاذ مسار التطبيع مع دول عربية وخليجية بضغط أمريكي واضح.
في الوقت نفسه ترجح فرضيات تحليلات مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf) تعثر استكمال تطبيع العلاقات السياسية بين دول خليجية وعربية مع اسرائيل على المدى القريب وتوقع تجمد اي مفاوضات جديدة لتوسيع دائرة التطبيع خاصة مع دول من منطقة الخليج حيث تؤثر نتيجة الحرب على غزة ولو بشكل مؤقت على انضمام دول عربية جديدة الى مفاوضات تطبيع العلاقات مع اسرائيل.
وكاستنتاج عام يستند لرصد مصادر مختلفة، فانه رغم توقف القصف الإسرائيلي على مدن غزة من طرف واحد مخلفاً حصيلة ثقيلة للضحايا ووسط تنديد وغضب شعبي عربي عارم، يواجه مسار تطبيع دول عربية وخليجية مع إسرائيل والذي بدأ في التبلور علنا منذ 2020 احتمالان اثنان: الأول تباطء وتعثر التطبيع في شقه الديبلوماسي في مقابل توقع استقرار وتيرة التطبيع والتعاون الاقتصادي والأمني وتبادل المصالح بقوة دفع أمريكية.
أما الاحتمال الثاني فقد يلجأ مسار تطبيع العلاقات على المدى القريب الى السرية والعودة الى العتمة الإعلامية خاصة من الجانب العربي لعدم احراج الموقف الرسمي لبعض الدول المطبعة مع إسرائيل مع السواد الأعظم من الرأي العام العربي المستنكر والمناهض للدولة العبرية وعدوانها على غزة والذي أدى الى استشهاد عشرات الفلسطينيين وخاصة الأطفال.
وحسب دراسة مختلف المواقف الرسمية وغير الرسمية المتعلقة بعلاقات إسرائيل بالدول العربية التي تقيم علاقات قديمة أو حديثة معها بما فيها بعض دول الخليج والمغرب العربي بإضافة السودان، واستنادا على نتائج ملخصات أهم الوثائق المرتبطة بالتطبيع ومساره ومراحل تنفيذه وعوامل الدفع التي تدعمه، لم تتضح أي مؤشرات على المدى القريب للتوجه نحو إيقاف مسار التطبيع أو تجميده على مدى بعيد بسبب الحرب على غزة حيث تسعى السياسة الخارجية الإسرائيلية الى فضل وتحييد ظروف الحرب الجارية عن مسار التطبيع غير المكتمل مع دول عربية وخليجية. اذ تبرر الديبلوماسية الإسرائيلية ضمنياً الحرب لشركائها العرب بأنها حرب مؤقتة دفاعية مشروعة وليست هجوماً انتقامياً ضد الفلسطينيين وتسعى لإقناع شركائها أن خطة الحرب حالة طارئة ومؤقتة توجت بإعلان وقف النار بنية الضغط على الفلسطينيين مستقبلاً لقبول شروط التفاوض على سلام دائم.
على صعيد آخر، تستمر ديبلوماسية الوسطية الرسمية بإشراف أمريكي بين كل من إسرائيل ودول عربية دخلت مسار تطبيع العلاقات وذلك من أجل محاولة تجنب أزمة ديبلوماسية قد تؤدي الى توقف كلي لمسار التطبيع أو التعاون خاصة مع دول خليجية تعتبر الحكومة الإسرائيلية الشراكة معها حيوية. ومن المحتمل أن اسرائيل لن تخاطر بتجمد مسار التطبيع في نسخته المعدلة بعد فشل مبادرة السلام العربية برعاية السعودية في 2002، وتطور رؤية السلام لاحقاً في نسخة معدلة عرفت بصفقة القرن التي تبلورت عقب الثورات العربية وبضغط أمريكي على الدول العربية عبر سياسة تغليب المصالح والتشجيع على التطبيع مقابل حوافز تضمنها الولايات المتحدة للدول الموافقة على الدخول في مسار سلام علني بعد ان كانت الخطوات المقدمة له سرية وغير معلنة.
الانتصار الديبلوماسي الذي حققته إسرائيل العام الماضي وبداية العام الجاري في عهد إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب قد لا يخاطر بفشله رئيس الوزراء الإسرائيلي بن يامين نتانياهو الراغب في تجديد ولايته والذي يراهن على انتصار معنوي في ظل صراع استنزاف وحرب نفسية تقودها المقاومة الحقت ضررا بهيبة الالة العسكرية الإسرائيلية، ويمثل هدف نتانياهو المعلن من خلال اعلان وقف العمليات العدوانية من طرف واحد محاولة لإنقاذ مسار التطبيع بعد اعلان الجيش الاسرائيلي الحاق أكبر ضرر عسكري ومعنوي بالمقاومة الفلسطينية والخروج بانتصار حتى وان كان وهمياً للقوة العسكرية الإسرائيلية، حيث ان هذه الحرب التي شكلت طفرة نوعية في الة الهجوم الفلسطينية قد تجعل موقف الفلسيين اقوى في أي تفاوض مستقبلي وهو ما لا يقبل به الإسرائيليون وقد يحاولون من خلال عمليات استخباراتية تدمير القوة الصاروخية الهجومية الفلسطينية التي تطورت في سنوات قليلة بجهود أغلبها محلية.
ومن غير المستبعد أن تبادر الولايات المتحدة والدول العربية الصديقة لها التي تقيم علاقات مع إسرائيل في تبني فكرة إطلاق مؤتمر إعادة اعمار المناطق الفلسطينية المدمرة من القصف الإسرائيلي بشروط وعبر أدوات استثمارية عربية وخاصة خليجية. ويعتبر احتمال خطة إعادة الاعمار توجه قد تدعمه وتسارع لتبنيه دول خليجية من اجل اعلان دعم الشعب الفلسطيني وعدم المزايدة على الدعم الخليجي التاريخي خاصة المالي للفلسطينيين بهدف الظهور في موقف المناصر للقضية الفلسطينية رغم مضي عدد من الدول في مسار إقامة علاقات مشتركة مع الدولة العبرية التي على الأرجح انها غير قابلة للانهيار السريع بسبب عمق الإجراءات الممهدة لمثل هذا التطبيع المعلن في نهاية ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب العام الماضي حيث توجت إعلانات التطبيع التاريخية بين إسرائيل ودولتين خليجيتين نجاح مفاوضات معقدة امتدت لسنوات وهي على الأرجح غير قابلة للإجهاض بسرعة. ومن غير المستبعد أن تسعى دول الخليج الى زيادة مخصصات الدعم والإغاثة الموجهة للفلسطينيين وذلك من أجل ترسيخ صورتها كأكثر الدول الداعمة للفلسطينيين على المستوى الإنساني والاغاثي في الراي العام العربي والفلسطيني المنتقد بشدة للدولة العبرية.
وتيرة الإجراءات المعلنة بهدف إقامة علاقة ديبلوماسية واقتصادية كاملة بين الدولة العبرية ودول عربية لن تتأثر بشكل تام بمسار أحداث الحرب على غزة بل قد تغير شروط تفاوضية خاصة فيما يتعلق بالتعاون الأمني والعسكري، اذ أن فشل القبة الحديدية الإسرائيلية في تأمين الإسرائيليين وردع الصواريخ الهجومية بدائية الصنع المنطلقة من غزة مثل نقطة ضعف في ترويج الصناعة العسكرية الإسرائيلية، وهو ما قد لا يحمّس كثيرا العرب على التفاوض على شراء أسلحة أو معدات على المدى القريب من إسرائيل في ظل التبادل التجاري المنصوص عليه في اتفاقيات التطبيع المبرمة والذي قد يشمل مجال الصناعة العسكرية، بل قد يقتصر التعاون الأمني على أجهزة التجسس والطائرات بدون طيار وتكنولوجيا الحرب السيبرانية ومعدات أخرى.
تداعيات أخرى قد تنجر عن حرب غزة وترجح دراسة تكتيكيات السياسة الخارجية الإسرائيلية أن تفضل تلب ابيب والولايات المتحدة والدول العربية المنضمة لفضاء تطبيع العلاقات المشتركة الى خيار استكمال مسار التطبيع في الخفاء والتعتيم حول مباحثات تعزيز التعاون في المجال الأمني والاقتصادي مع تأجيل مرجح للانفتاح الديبلوماسي الكامل والشامل وتبادل محدود للزيارات في المدى القريب.
الا أن التطبيع حسب دراسات كثيرة قد لا يتوقف أو يتجمد نهائياً اذ أن مساره قد لا يواجه مصير الانهيار بسبب رغبة دولية ملحة في تحقق السلام الإسرائيلي مع دول الشرق الأوسط بمنأى عن مسار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ومآلاته، كما تبدو إسرائيل مهتمة أكثر من الدول العربية في كسر صف المقاطعة العربية والدخول كشريك اقتصادي فاعل مع دول منطقة مينا (منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا). حيث تبرر الإدارة الإسرائيلية خيارات الانفتاح وخطاب التعايش العرب بهدف تنمية المصالح إسرائيل في منطقة (Mena) وتعزيز التبادل التجاري مع دولها خاصة دول الخليج التي تحرص الدولة العبرية على تعزيز مناخ السلام ضمن مفاوضات بدأت منذ سنوات طويلة وتحديدا منذ عهد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما ورأت النور في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب وتستمر في عهد الرئيس جو بايدن بالمعادلة نفسها التي تضمن التفوق الإسرائيلي في اغلب المجالات لإسرائيل.
كما تقف لوبيات ومجموعات الضغط التي تنمني اليها كبرى شركات الاتصال الاجتماعي المؤثرة في الرأي العام الدولي المملوكة أغلبها لمستثمرين يهود الى صف المؤيدين الى سلام طويل المدى مع العرب من أجل ازدهار الوجهة الإسرائيلية وتعزز الأمان فيها وتحفيز الهجرات اليهود نحوها.
وتطمح القوى الداعمة لازدهار إسرائيل كأرض ميعاد اليهود لتتويج جهود المفاوضات السرية مع العرب بإنشاء علاقات كاملة تضمن استقرار تسعى له الدول العربية منذ فشل المبادرة العربية في 2002.
2021 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (CSRGULF)