الكويت، 5 يونيو 2020 (csrgulf): تمضي أغلب دول الخليج أسرع من نظيراتها العربية في امتلاك وسائل تكنولوجية تُكسبها مقومات اقتصادات المستقبل القائمة على الذكاء والنهضة العلمية والرقمية والالكترونية.
وفي حين تراهن دول خليجية على استقطاب الحلقات الأساسية في صناعة التكنولوجيا والتقنية والذكاء الاصطناعي ضمن مشاريعها الطموحة المستقبلية لتنويع إيراداتها، قد تصطدم بتحديات جديدة تتمثل في زيادة احتمالات تعثر نقل المعرفة من دول العالم المتقدم الى دول العالم النامي.
وحسب رصد لمركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf) لمعالم تغير قواعد التنافس المستقبلي بين الدول الكبرى وأثره على دول الخليج، تزيد احتمالات توجه بعض الدول أو القوى العظمى الى زيادة إمكانية تقييد تصدير المعرفة ومشاركتها مع دول العالم النامي بما فيها دول الخليج، وذلك من أجل ضمان بعض الدول الكبرى على غرار الولايات المتحدة عامل التفوق الاستراتيجي في سباق مستقبلي محموم بين القوى الصناعية الكبرى على حماية اقتصاداتها من المنافسة الشرسة التي سيذكيها دخول مرجح لبعض الدول النامية لسباق التصنيع وإنتاج المعرفة مستقبلاً.
وقد تتجه بعض الدول المتقدمة لتقليص انفتاحها على التعاون الدولي في مجال العلوم والتقنية الرقمية ووسائل الذكاء العلمي في ظل سياسات حمائية أولاً وثانياً من أجل الحفاظ على ريادتها وابطاء وتيرة سرعة انتقال بعض دول العالم النامي الى مصاف الدول المتقدمة التي تمتلك وسائل التكنولوجيا وأسرار المعرفة.
هذه التحديات برزت مع تسجيل أدنى مستوى للتعاون الدولي في مشاركة الأبحاث والبيانات العلمية والمعرفة خاصة في ظل الأزمات، وتم تسجيل ذلك منذ اجتياح وباء كورونا العالم. وقد أظهر السباق المحموم في الأشهر الأخيرة بين دول العالم على امتلاك اختراع دوائي لعلاج وباء كورونا، أظهر تأخر وبطء وتيرة التوصل الى لقاح بسبب زيادة أنانية الدول الكبرى في استحواذ واحتكار آليات البحث والتقدم العلمي ما يقود الى بوادر تقلص التعاون الدولي في تشارك المعرفة والبيانات حول فيروس كورونا فضلاً عن فيروسات وأمراض أخرى، وهو ما يقود الى استشراف صراع جديد مستقبلاً بين الدول الغربية المتقدمة لزيادة الحمائية والنوايا الاحتكارية للعلوم والبحوث والاختراعات والتكنولوجيا.
هذا الصراع المتوقع من شأنه أن يؤثر على حركة نقل التكنولوجيا دولياً. وقد تكون عدة دول بينها بلدان الخليج التي تراهن على الاستثمار في مشاريع مستقبلية عملاقة في مجال التكنولوجيات الحديثة والتي تسعى من خلالها الى تعزيز الاكتفاء الذاتي في المجالات التقنية والتعويل عليها في تنويع اقتصاداتها على المدى المتوسط والبعيد، قد تكون بين المتضررين من تعثر تصدير المعرفة وتذبذب محتمل لمسار امتلاك أسس التفوق المعرفي والتكنولوجي على المدى القريب خاصة في مجالات الصناعات المستقبلية الذكية والمتقدمة.
ونظرا لأن الاستثمار في المعرفة سيكون الأكثر ربحية على المدى المتوسط، فمن المرجح أن تزيد كلفة نقل وامتلاك التقنيات والتكنولوجيا اللازمة لبناء اقتصاديات المعرفة التي تراهن عليها دول مجلس التعاون الخليجي. كما قد يسبب بطء حركة توريد التكنولوجيا والتقنيات الحديثة فجوة معرفية وتقنية في عدد من المشاريع الضخمة الخليجية المعتمدة على الذكاء العلمي وإنتاج الخدمات المتطورة والمتضمنة في الرؤى التنموية المستقبلية بعيدة المدى.
ومن أكثر المشاريع والقطاعات الخليجية التي قد تتأثر، برزت مشاريع كل من الجزر الكويتية الذكية ومدينة “نيوم” السعودية المستقبلية، ومدن تصنيع الذكاء العلمي في الامارات وإمكانية تحولها لمنصات لإنتاج الروبوتات والأقمار الصناعية. كما أن منتجات واعدة في دول الخليج من المحتمل تأثرها كقطاعات انتاج السيارات والطيران، فضلاً عن قطاعات الأبحاث الطبية، الى ذلك فان مجالات الاستفادة من الطاقة النووية قد تتأثر أيضاً ببطء محتمل في نقل التكنولوجيات التي تحتاجها النهضة الخليجية المستقبلية بعيدا عن الاعتماد على النفط.
وتهدف بعض الدول الصناعية الكبرى الى حماية منتجاتها من السرقة والتقليد والتجارة الموازية فضلاً عن رغبة جامحة لضمان الاحتفاظ بآليات الإنتاج ومنع تسرب أسرارها الى دول العالم النامي الذي لم ترتقي دوله بعد الى مصاف العالم المتقدم بسبب استمرار تبعية الاستهلاك وخاصة لوسائل المعرفة والتكنولوجيا.
وفي ظل زيادة رواج نظريات “حمائية الاقتصاد والمعرفة” خاصة بين القوى العظمى، ليس من المستبعد قيام عدد من الدول المتقدمة بزيادة تشديد القيود على نقل التكنولوجيا مستقبلاً الى دول العالم النامي بهدف حماية اقتصاداتها الوطنية وتعزيز صادراتها وتفوقها التكنولوجي وجعل التكنولوجيا في المستقبل كعملة للمقايضة على حاجياتها من الدول الأخرى وخاصة الغنية بالمواد الأولية والزراعية.
ومثلما كان هناك صراع محتدم على الطاقة طيلة العقود الأخيرة فقد يتحول الصراع على امتلاك التقدم العلمي والتكنولوجي وهذا ما كشفه الصراع المحموم بين كبرى الدول لكسب أسبقية امتلاك علاج فيروس كورونا وعدم مشاركة خصائصه مع أي جهة أخرى في ظل السرية التامة ورغبة الحفاظ على سر التفوق. حيث بات الأمن الصحي كأحد أهم مجالات الامن القومي العالمي في المستقبل.
التخوف من منافسة الدول النامية الصاعدة في مجال التقدم العلمي والتكنولوجي
في ظل زيادة محاولات ومبادرات عدد من الدول النامية لتسريع الاكتشافات والأبحاث العلمية، باتت جهات كبرى تتخوف من تحقيق عدد من الدول اكتفائها الذاتي في عدد من المنتجات أو الخدمات وهو ما يهدد بتراجع حصة دول ومؤسسات عالمية وعملاقة في سوق صناعة التقنية خاصة في مجال تصنيع السيارات والهواتف والطائرات بدون طيار وصولاً الى صناعة مقاتلات حربية وهو ما اعتبر تقدما لافتا في مجال التقنية في تركيا الطامحة لامتلاك سلاح ردع تقني قبل أن يكون نووياً.
وقد تتمثل مبادرة تركيا في صنع مقاتلة من الجيل الخامس أبرز معالم التنافس المستقبلي بين القوى الإقليمية على امتلاك مصادر القوة المستقبلية والقدرة العلمية والتقنية، وقد لاقى الإنجاز التركي تحفظا من دول غربية.
وقبل تركيا أثارت مساعي إيران لامتلاك تكنولوجيا الطاقة النووية كطاقة بديلة في المستقبل حفيظة المجتمع الدولي والقوى العظمى التي تحاول الى شيطنة النظام الإيراني وحظر امتلاك طهران لوسائل المعرفة الكافية لتطوير استخدامات الطاقة النووية النظيفة مستقبلاً.
كما تستمر معارضة بعض الدول الكبرى لنقل التكنولوجيا الأساسية في مجال الصناعات الحيوية لإيران وغيرها من دول العالم النامي خاصة في مجالات النقل كصناعة السيارات والطائرات والسفن. وفي حين طوّرت إيران ذاتيا الى جانب دول إقليمية أخرى كمصر وتركيا صناعة المركبات ونجحت في تصنيع سيارات محلية الصنع الا أن هذا المسار يستمر محدودا وغير مكتمل لافتقاره لمراحل متقدمة من التكنولوجيا.
كما أن تجارب دول أخرى من العالم النامي في صناعة السيارات والمعدات الثقيلة ماتزال محدودة على الرغم من وجود توجه واضح من بعض الدول مثل مصر ودول خليجية لزيادة الاستثمار في الصناعة وتصنيع منتجات قد تفتقر أيضا لجل المراحل والمعدات التقنية المطلوبة والتي يتم استراد بعضها لاستكمال الإنتاج المحلي.
كما برزت محاولات لإنتاج روبوتات ذكية متطورة وطائرات بدون طيار وبعض المنتجات الذكية الأخرى في عدة دول عربية وخليجية لكن تبقى هذه التجارب في مراحلها الأولى حيث يتم التعويل على تقنيات بسيطة بعضها بدائية او مقلدة أو مهربة او مستوردة كليا او يتم تقليد بعضها في عملية تطوير الإنتاج الصناعي المحلي في العالم العربي والنامي بشكل عام.
وماتزال المنتجات التقنية أو الذكية ذات القيمة المضافة والتي تقوم بتطويرها وصناعتها بعض الدول العربية سعيا لتحقيق الاكتفاء الذاتي والتعويل على القدرات المحلية، في بداية طريق وغير قادة على المنافسة في الأسواق الدولية نظرا لعدم امتلاك أسرار التطوير التكنولوجي بعد.
أما بالنسبة للدول الخليجية التي تتسابق بدورها على إرساء اقتصادات متطورة وخلق صناعات تنافسية ذات قيمة مضافة كحلول بيئية اقتصادية لخلق مصادر ثروة جديدة والتغلب على مخاطر تراجع الثروات الطبيعية وتقلبات المناخ، مروا بأهداف تطوير الاقتصاد الرقمي من خلال تعزيز بنية تحتية ذكية وتطوير التعليم والأبحاث العلمية والطبية، وصولاً الى رسم خطط مستقبلية لتطوير منتجات محلية في مختلف مراحل تصنيعها كالسيارات ووسائل النقل الأخرى لاسيما الطائرات فضلاً عن الروبوتات والأقمار الصناعية، فقد تواجه في النهاية قيودا أكبر مستقبلاً في استقطاب آليات وتقنيات الحلقات الأساسية من صناعة التكنولوجيا سواء في مجال الصناعة أو الفضاء أو العلوم.
المصدر: مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf)