– غضب شعبي عارم يضرب دولاً عربية بداية الصيف المقبل
– تراجع مؤشرات النمو والاستثمار والتوظيف بسبب تداعيات انتشار “كورونا”
الكويت، 9 مارس 2020 (csrgulf): أدت القيود الوقائية التي فرضتها الحكومات في العالم العربي والاسلامي، تحت وطأة الخوف من تسلل فيروس كورونا القاتل، الى أكبر تراجع لزخم الحراك السياسي من أجل الحريات والاحتجاجات الشعبية ضد الأنظمة والفساد والبطالة والفقر وتدهور المعيشة في أغلب الدول العربية والإسلامية منذ انطلاق أحداث الربيع العربي في 2011.
توقف الاحتجاجات بموجب فرض قيود وقائية على التجمعات وان تستفيد منه بعض الأنظمة مؤقتاً الا أن ذلك لن يدوم طويلاً على الأرجح، اذ من المتوقع أن تشهد دول عربية كثيرة عودة مظاهر الاحتجاج والاعتصام بشكل أقوى وأعنف تدريجياً مع منتصف فصل الربيع المقبل مدفوعة بمطالب اجتماعية واقتصادية قد لا تتمكن بعض الحكومات العربية من الإيفاء بها بسبب مواجهتها لبوادر أكبر أزمة اقتصادية واجتماعية محتملة لم تشهدها منذ الأزمة المالية العالمية في 2008 وذلك تحت وطأة ارتباك التجارة العالمية بسبب الإجراءات الوقائية من وباء كورونا.
وقد بدأت بوادر تراجع للمؤشرات الاقتصادية والتنموية الفصلية تتضح بسبب توقع تداعيات تباطؤ النمو العالمي على اقتصادات أغلب بلدان الوطن العربي خاصة على مستوى بوادر تراجع مؤشرات النمو الاقتصادي والاستثمار والتوظيف.
وحسب مسح قام به مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf) لخارطة الاحتجاجات والاعتصامات في العالم العربي منذ منتصف فبراير الماضي، فقد تم تسجيل توقف أغلب مظاهر التجمعات الرافضة لسياسات الحكومات مع تلاشي الانتفاضات والاعتصامات الشعبية والنخبوية خاصة في الشوارع والميادين وأمام الشركات والمؤسسات الخاصة والحكومية في الدول التي كانت تشهد احتجاجات واسعة على غرار العراق ولبنان والجزائر والسودان واليمن وتونس بالإضافة الى إيران ودول أخرى.
واستفادت عدد من الأنظمة العربية خاصة في العراق ولبنان من حالة الهلع التي خلفها انتشار فيروس كورونا لتتجنب مصير انهيار وتدهور للمؤسسات كان وشيكاً في حال استمر ضغط الاحتجاج الشعبي المتوقف منذ نحو أسابيع قليلة بسبب زيادة حالة الرعب بين الجماهير خشية الاصابة بعدوى الوباء الغامض (كوفيد 19).
وقد اجتاح فيروس كورونا أغلب الدول العربية وخاصة المحيطة أو القريبة من إيران التي تعتبر أكبر دولة شرق أوسطية والرابعة عالمياً على مستوى تسجيل عدد المصابين والوفيات بسبب هذا الفيروس الذي انتقل الى أكثر من دولة عربية في منطقة الشرق الأوسط جراء مسافرين عائدين من إيران.
وفي حين أعلنت منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ على نطاق دولي لمواجهة تفشي الفيروس، الذي انتشر لاحقا في عدة بلدان ما تسبب في حالة رعب سادت العالم أجمع، وخوفاً من توسع عدوى المرض الغامض (كوفيد 19) الآخذ في الانتشار سريعاً في العالم العربي والإسلامي، تعززت إجراءات الطوارئ الوقائية والأمنية في دول عربية كثيرة أسهمت في تقييد وتيرة الحراك السياسي والتجمعات الجماهيرية المطالبة بالتغيير والتي طالما اعتبرت عنصر تهديد لاستقرار الأنظمة. فرض حالة الطوارئ ومنع التجمعات اعطى الحكومات العربية فرصة لمنع أنظمتها السياسية المركزية والمحلية من مصير الانهيار والتعثر المؤقت الى حين منتصف فصل الربيع وبداية شهر رمضان تزامناً مع توقع ارتقاع درجات الحرارة تمهيدا لدخول فصل الصيف الذي من المتوقع أن يسجل نهاية رعب فيروس كورونا حسب دراسات علمية ربطت ارتفاع درجات الحرارة بتلاشي الوباء.
وبالمقارنة مع الأشهر الست الأخيرة التي شهدت خلالها أكثر من دولة عربية ذروة حراك شعبي مطالباً بمحاربة الفساد والإصلاح السياسي والاجتماعي من خلال تجمعات أو مسيرات أو تظاهرات أو ندوات أو اعتصامات، تقلصت بشكل كبير خارطة الحراك السياسي والاجتماعي مع بداية منتصف شهر فبراير في أكثر من دولة عربية أبرزها لبنان والعراق والجزائر والسودان وسوريا ومصر وليبيا وتونس والأردن والكويت، نهاية العام الماضي المنتشر في أكثر من دولة عربية. ومن المرجح ان يستمر تقلص الأنشطة والتجمعات الشعبية المنادية بالتغيير والإصلاح بشكل أكبر خلال شهر مارس تحت ضغط إجراءات احترازية أمنية باتت أجهزة الأمن تفرضها على غرار حظر التجمعات والندوات والاحتفالات بهدف الوقاية من احتمالات انتقال عدوى فيروس كورونا المنتشر في أكثر من دولة عربية.
أزمة اقتصادية واجتماعية يخلفها كورونا وقد تشعل الاحتجاجات مجددا في الصيف
على افتراض أن الوباء سيبلغ ذروته في الصين وبقية انحاء العالم في نهاية الربع الأول من عام 2020 مع تفشي المرض في بلدان عربية، من المرجح أن ينخفض النمو العالمي بحوالي ½ نقطة مئوية مقارنة بالنسبة المتوقعة في نوفمبر 2019 التوقعات الاقتصادية. ونتيجة ذلك من المتوقع أن ينخفض نمو إجمالي الناتج المحلي السنوي إلى 2.4 في المئة في عام 2020 ككل مقارنة مع 2.9 في المئة كانت متوقعة في عام 2019[1]. كما من المتوقع أن تسجل أسواق الأسهم العالمية انخفاضات هائلة في الناتج المحلي الإجمالي وأرباح الشركات. أما بالنسبة لسوق النفط على وجه التحديد، هناك تحذيرات من إمكانية هبوط أكبر لأسعار النفط ان لم تتوصل منظمة أوبك لاتفاق مع روسيا يقضي بخفض الإنتاج لتقليص العرض[2].
وحذرت منظمة التعاون الاقتصادي من اتجاه النمو العالمي للتباطؤ بسبب كورونا الذي يدفع الى نحو أسوأ تباطؤ منذ الازمة المالية العالمية في 2008[3]، وناشدت الحكومات والبنوك المركزية لمكافحة ذلك لتجنب هبوط أو انهيار أشد حدة.
وعربياً، من المرجح أن تنخفض إيرادات الحكومات جراء تراجع محتمل لإيرادات قطاعات حيوية مثل السياحة والطاقة، حيث انخفضت على سبيل المثال عقود النفط الآجلة الى دون 50 دولارا. ويبرر التراجع المحتمل في الإيرادات الفصلية للحكومات العربية مخاوف جدية تتمثل في توقع زيادة تدهور المالية العامة لبعض الدول خاصة التي تعاني من مشاكل اقتصادية واجتماعية متفاقمة، وهو ما قد يقود الى ترجيح انكماش مؤقت في الانفاق الحكومي ما قد ينجر عنه بطء وتيرة الاستثمار والتوظيف في القطاعين الخاص والعام. كما قد ينجم عن ذلك احتمال زيادة تعثر بعض الحكومات في التخفيف عن الأعباء الاجتماعية للشعوب وهو ما قد يدفع في النهاية الى توقع زيادة حالة تذمر خاصة من التضخم والغلاء ما قد تدفع الى تجدد الاحتجاجات حال اختفاء وباء كورونا.
ومن المحتمل أن تتكبد دول عربية كثيرة خسائر على مستوى حصيلة التجارة الخارجية خلال نهاية الربع الأول من هذا العام وهو ما سيراكم المديونيات الخارجية على عدد من الدول محدودة الدخل والتي تعاني من تضخم مديونياتها الخارجية[4] على غرار لبنان والعراق وتونس والمغرب والجزائر.
وكل هذه التراكمات من المحتمل أن تنتج عجزا في الانفاق الحكومي والخاص وهو ما سيولد حالة انكماش للمالية العامة في عدد من الدول وقد يترتب عن ذلك بطء وتيرة التوظيف والوفاء بعدد من الامتيازات الاجتماعية للموطنين ومن شانه خاصة في لبنا والعراق[5] وتونس وليبيا ومصر ان ينتج تذمر شعبي من الغلاء وقد ينتج عنه عودة الاحتجاجات الشعبية المناهضة لسياسات الحكومات عقب نهاية عدوى كورونا بدخول فصل الحرارة وتغير أولويات الاهتمامات الشعبية.
وقد رصد مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث عدم تغير ملحوظ لمسار بعض الحكومات في معالجة مبررات الاحتجاجات الشعبية كتحسين الأوضاع المعيشية وخلق مواطن عمل ومحاربة الفساد وتحقيق التغيير السياسي. وفي حين توقفت الاحتجاجات اضطراريا بسبب المخاوف من عدوى فيروس كورونا، فان تجددها قد يفاجأ بعض الحكومات بسبب توقع زيادة تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية خلال الفترة المقبلة في عدد من الدول. ومن المرجح أن تتكبد قطاعات السياحة والسفر والطاقة وتجارة الغذاء والسلع الحيوية والاستثمار خسائر كبيرة في جل دول العالم[6] والعالم العربي، وهو ما يدعو الى القلق بشأن اقتصادات عدد من الدول العربية المعتمدة على السياحة مثل لبنان وتونس والمغرب ومصر، وأخرى معتمدة على الطاقة مثل دول الخليج والجزائر والعراق وإيران. حيث هوت أسعار النفط بنحو 20 في المئة[7] منذ بداية انتشار فيروس كورونا.
وتواجه لبنان والعراق وتونس بشكل خاص والتي تتجدد فيها بعض الاحتجاجات من حين الى آخر، احتمالات تراجع كبير لنسبة النمو بسبب تداعيات تعطل التجارة تحت وطأة انتشار وباء كورونا. وكان أعلن رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب، أن لبنان سيتخلف عن سداد ديون مستحقة عليه بالعملة الأجنبية معترفا بأن لبنان يمر في مرحلة أزمة دقيقة من تاريخه. أما العراق فهو أمام أزمة مالية خانقة بسبب تراجع أسعار النفط وتباطؤ النمو عالمياً. وتواجه تونس خطر تراجع النمو الى 1 في المئة بسبب تداعيات كورونا خاصة على توقع انكماش القطاع السياحي والتجارة.
المصدر: مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (CSRGULF)
المراجع:
[1] OECD Interim Economic Assessment, Coronavirus: The world economy at risk, 2 March 2020, https://www.oecd-ilibrary.org/docserver/7969896b-en.pdf?expires=1583666030&id=id&accname=guest&checksum=32E8F3534CB384040E6548A35070A6BE
[2] Editorial Dept OILPRICE, A Risky Bet On Crude Oil, Mar 06, 2020, https://oilprice.com/Energy/Energy-General/A-Risky-Bet-On-Crude-Oil.html
[3] OECD Interim Economic Assessment, Coronavirus: The world economy at risk, 2 March 2020, https://www.oecd-ilibrary.org/docserver/7969896b-en.pdf?expires=1583666030&id=id&accname=guest&checksum=32E8F3534CB384040E6548A35070A6BE
[4] World Bank, DEBT REPORT 2020 EDITION I, January 2020, http://pubdocs.worldbank.org/en/727761579205652353/pdf/Debt-Report-2020-Edition-I.pdf
[5] أنظر تحديث بيانات مؤشر المديونية الخارجية للعراق، https://www.ceicdata.com/en/indicator/iraq/forecast-nominal-gdp-per-capita
[6] KEITH JOHNSON, World Stock Markets Begin Betting on a Coronavirus Slowdown, REPORT, Foeringpolicy FEBRUARY 25, 2020, https://foreignpolicy.com/2020/02/25/coronavirus-global-stock-markets-economic-downturn/
[7] Stanley Reed and Clifford Krauss, With Oil Prices Down 20%, OPEC Pushes for Stability, Newyorktimes, 4 March, https://www.nytimes.com/2020/03/04/business/OPEC-oil-demand-coronavirus.html