– محدودية الاستعدادات الحكومية لاستباق منع انتشار عدوى كورونا
– نظرة مقلقة حول مدى سلامة السلع الصينية المتدفقة الى الكويت
– عوامل المناخ والتعامل مع الحيوانات البرية قد تزيد من حدة خطر عدوى الإصابة
– التلوث بين مسببات نشأة وباء كورونا
الكويت، 1 مارس 2020 (csrgulf): في حين يستمر تدفق السلع الصينية وخاصة الغذائية الى الكويت على الرغم من تباطئه، قد يبقى خطر انتقال العدوى قائماً عبر السلع المستوردة حديثاً ما لم يتم رفع درجة الفحص والتدقيق والتعقيم الصحي في الموانئ والمطارات الكويتية.
وبدراسة الإجراءات الاستباقية للحكومة الكويتية للوقاية من انتشار عدوى فيروس كورونا التي نبهت الى خطورته منظمة الصحة العالمية قبل نحو شهرين، لم تتخذ السلطات على مستوى منافذها البرية أو الجوية أو البحرية إجراءات بالشكل الكافي والمنسجمة مع التحذيرات الدولية لاكتشاف فيروس كورونا والوقاية منه قبل انتشاره في البلاد. وفي حال تصنيفه كوباء عالمي وتأخر اكتشاف علاج فعال له، لا يبدو أن الحكومة الكويتية قد تستطيع بشكل فعّال وشامل السيطرة على انتشار عدوى فيروس كورونا ما لم ترفع درجة الوقاية الصحية الى أعلى درجة على ألاّ يقتصر ذلك فقط على المطارات والموانئ والمنافذ البرية، مع أولوية زيادة الوعي بطرق الوقاية منه في المجتمع.
وحسب ملخص بحث أعده مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf) حول “تداعيات انتشار فيروس كورونا على الحياة في الكويت”، تبين أن تقلبات المناخ في الكويت وخاصة مع توقع نشاط الرياح الملوثة بالأتربة والغازات، بالإضافة الى التعامل مع الحيوانات البرية سواء في المنازل أو في المزارع، كلها قد تكون عوامل محفزة أكثر لانتشار فيروس “كورونا” بشكل أوسع وارتفاع حدة خطره على الجهاز التنفسي وصحة الانسان في الكويت مقارنة بدول أخرى.
وقد أثبتت الدراسات العلمية والمخبرية الصينية ارتباط أصل فيروس كورونا بالمنشأ الحيواني على غرار كورونا الخليج (2012) أو ما يعرف بـ(MERS) الذي انتقلت عدواه من الجمال الى الانسان وما يزال فهم هذا الفيروس الغامض محدودا الى اليوم. لكن فيروس كورونا الجديد أشد فتكاً من MERS وطرق الانتقال والعدوى من هذا المرض ليست مفهومة علمياً بالشكل الكافي والشامل الى اليوم.
وفي حين أن فيروس كورونا يستقر أكثر وينتشر في الأماكن الرطبة وليس الجافة، يبقى هاجس تقلبات الطقس في الكويت عاملاً اما محفزا لانتشار هذا الفيروس أو طارداً له. وبالنظر لتوقعات استمرار تقلبات الطقس بين البرودة والحرارة خاصة خلال الشهر المقبل، قد تزيد احتمالات القلق حول انتقال العدوى بالنظر لتوقعات رطوبة عالية.
وهناك مخاوف من احتمالات تفاعل فيروس كورونا مع عوامل مناخية وبيئية خاصة في دول خليجية كالكويت، حيث قد تعتبر بيئتها في الفترة الفاصلة بين الشتاء والربيع محفزة على احتضان الفيروس لفترات طويلة. اذ يصنف تلوث الهواء والرطوبة العالية بالعوامل المحفزة على احتضان وانتشار الفيروسات. وقد سجلت معدلات الرطوبة في الكويت ذروتها في ديسمبر الماضي قبل أن تبدأ في الانخفاض مع نهاية ابريل وبداية مايو المقبل. وفي حين تشير التوقعات المناخية لاستمرار معدلات عالية للرطوبة في شهري مارس وابريل المقبلين[1] تبقى النظرة المستقبلية مقلقة حول مدى انتشار فيروس كورونا وتفاعلاته المستقبلية في الكويت لحين اكتشاف دواء فعال له. لكن قد يكون الطقس الدافئ والذي يميل الى الحرارة الجافة يساعد على الحد من انتشار فيروس كورونا[2] في الكويت في حال تراجعت معدلات الرطوبة.
محدودية الاستعدادات الحكومية لاستباق منع انتشار عدوى كورونا
على رغم من تعزز جهود الاستعدادات لحالة الطوارئ ومواجهة الكوارث أو الأوبئة في البلاد، الا أن قدرة الكويت على مواجهة حالات طارئة كانتشار الأوبئة الغامضة تعتبر متوسطة حسب مؤشر سلامة بيئة الحياة والعمل ([3]Safetyindex UL). فضلاً عن ذلك لم تكن الإجراءات والتدابير الاحتياطية الوقائية صارمة بالشكل الكافي قبل انتقال عدوى فيروس كورونا الغامض الى الكويت. حيث لم تتبع المطارات والمنافذ الحدودية البرية والبحرية بالشكل الكافي والمطلوب التحذيرات الدولية وإجراءات السلامة التي تفرض على كافة السلطات رفع درجة الحيطة لمواجهة انتقال هذا الفيروس من خلال المسافرين ذهابا او إيابا. اذ لم يخضع المسافرون عبر جل المنافذ الجوية والبحرية والبرية لإجراءات مراقبة صحية مشددة اثناء السفر واثناء القدوم للتأكد من خلوهم من هذا الفيروس. ونتيجة لما قد يكون اهمالاً في توخي أعلى درجات الحيطة التي نوهت اليها منظمة الصحة العالمية قبل شهر نهاية يناير، تشهد الكويت انتشارا وان يعتبرا محدودا لفيروس كورونا الفتاك.
هل ينتقل “كورونا” الى الكويت عبر السلع الصينية؟
تعتبر الصين أهم شريك تجاري للكويت من وأهم الموردين للسلع اليها[4]. ونظرا لأن الكويت تعتمد بشكل كبير على الواردات خاصة من الصين، قد يبرز قلق حول التعاطي مع بعض السلع المستوردة حديثاً. وفي حين لم تحظر الحكومة الكويتية استيراد سلع صينية خاصة من مدن متضررة بفيروس كورونا بين نوفمبر ويناير، تبقى احتمالات خطر انتشار الفيروس عبر السلع محدودة التعقيم قائمة وان كان ذلك غير مثبت الى اليوم، لكن ليست هناك أي معلومات علمية تدحض إمكانية انتقال عدوى الفيروس عبر ملامسة السلع الصينية المستوردة على سبيل المثال. لذلك تبقى طريقة انتقال الفيروس وتكاثره وانتشاره بين الناس وفي أماكن العمل وبين السلع غير مفهومة. وقد تكون إجراءات التعقيم باتت ضرورية لكل أنواع السلع. لكن قد يكون هناك قلق حول سلع دخلت الى الكويت قبل زيادة فرض التشدد الصحي على كل السلع المصدرة من الصين.
واعتماداً على بيانات الشبكة الدولية لسلطات سلامة الأغذية (INFOSAN) فان احتمال استمرار انتشار فيروس كورونا بدون دواء فعّال له قد يكون مدعاة للقلق بشأن الأغذية المتداولة دوليًا واحتمال انتقال الفيروس عبر السلع. حالياً، هناك تحقيقات أجريت لتقييم مدى بقاء الفيروس على قيد الحياة في حال وجد على سطح بعض السلع الواردة من الصين على سبيل المثال، ولذلك بات من الضروري تجنب استهلاك المنتجات الحيوانية الخام أو غير المطهية جيدًا والمستوردة من الأسواق العالمية، مع تجنب التعامل مع اللحوم النيئة أو الحليب الخام أو الأعضاء الحيوانية النيئة بعناية من أجل تفادي تلوث الأطعمة غير المطهية[5] التي يمكن ان يتسلل من خلالها الفيروس الغامض.
تشير الدراسات التي أجريت على فيروسات سبقت كورونا الجديد على غرار (سارس) و(ميرس) إلى أن هذه الفيروسات يمكن أن تستمر على أسطح مختلفة لمدة تصل إلى بضعة أيام حسب مجموعة من المعطيات مثل درجة الحرارة والرطوبة والضوء. على سبيل المثال، في درجة حرارة تبريد تصل الى 4 درجات مئوية، يمكن أن يظل فيروس كورونا على قيد الحياة ونشطا لمدة تصل إلى 72 ساعة. وتشير الأدلة الحالية على أن سلالات فيروس كورونا تبقى مستقرة في درجات حرارة منخفضة ومجمدة لفترة معينة، وبالتالي فان نظافة الأغذية ورفع معايير السلامة يمكن أن تمنع انتقالها عن طريق الغذاء[6].
وقد نشر المركز الأمريكي لمكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) على موقعه على الإنترنت أنه لا يوجد دليل يدعم انتقال فيروس كورونا الجديد (2019-nCoV) عبر السلع المستوردة[7]. لكن لا يزال هناك الكثير من المعلومات غير معروفة فيروس كورونا الناشئ حديثًا وكيفية انتشاره. ويرتبط الفيروس ارتباطًا وراثيًا بالسارس أكثر من ميرس، وكلاهما فيروسات مرتبطة أصولها بالخفافيش. وعلى الرغم من عدم اليقين أن هذا الفيروس سيتصرف بنفس الطريقة التي يتبعها (سارس) و(ميرس)، إلا أنه بشكل عام، نظرًا لضعف قدرة هذه الفيروسات التاجية على البقاء على قيد الحياة، من المحتمل أن يكون هناك خطر منخفض جدًا للانتشار عبر المنتجات أو العبوات التي يتم شحنها خلال فترة أيام أو أسابيع في درجات حرارة معينة. ويُعتقد أن فيروسات كورونا تنتشر في أغلب الأحيان عن طريق الجهاز التنفسي[8].
وتعتبر فيروسات كورونا عائلة كبيرة من الفيروسات وهي تصيب الحيوانات فقط. نادرًا ما ظهرت فيروسات كورونا الحيوانية التي تصيب الحيوانات وتتسبب في إصابة البشر. يُعتقد أن هذا الاستثناء قد حدث سواء للفيروس كورونا الجديد 2019 أو ما يعرف سابقا بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS) 2012 والمتلازمة التنفسية الحادة (سارس) 2002. وقد أثبتت بعض الدراسات العلمية التأثير السلبي للتغيرات المناخية والبيئية والانبعاثات الغازية تحفيز تفاعلات جينية غامضة تصيب الانسان والحيوان خاصة الجهاز التنفسي، كما يدفع التلوث الحاد أيضا لزيادة احتمالات ظهور الأوبئة والفيروسات القاتلة والغامضة. حيث سجلت وفاة نحو 12.6 مليون شخص نتيجة العيش أو العمل في بيئة غير صحية، في المقابل تضرر الحيوانات قد يكون أكبر. وبالتالي فان عوامل الخطر البيئية، مثل تلوث الهواء والماء والتربة، والتعرض للمواد الكيميائية، وتغير المناخ أو الأشعة فوق البنفسجية، تسهم في حدوث أكثر من 100 نوع من الأمراض أو الاصابات[9].
التلوث بين المسببات المحتملة لنشأة فيروس كورونا
فيروس كورونا لا يبدو أنه سيكون الوباء الأخير في هذا القرن بل انذار أولي عن زيادة توقعات أوبئة أخرى من أنواع جديدة بسبب تضرر كبير للثروات البيئية وخاصة الطبيعية والحيوانية بمخلفات الملوثات السامة الصناعية والبشرية المشوهة للحياة البيولوجية.
فبعيدا عن تحليلات المؤامرة وترجيح إمكانية تورط الولايات المتحدة في تحفيز نشأة هذا الفيروس في الصين في ظل الحرب التجارية الباردة بينها وبين بكين، يبرز رابط مشترك جديد قد يفسر أحد المسببات التراكمية التي أدت الى ظهور سلالات فيروس كورونا على امتداد العقدين الماضيين. هذا الرابط يتمثل في تشابه العوامل المناخية المتعلقة بشدة التلوث وانتشار الغازات السامة في مناطق نشأة سلالة فيروسات كورونا التاجية والتي تصيب الحيوانات البرية بالدرجة الأولى ثم تنتقل بأشكال مختلفة الى الانسان. اذ أن المدن التي أعلن فيها عن أولى إصابات بفيروسيات تاجية منذ 2002 وصولاً الى اليوم كمدينة غواندونغ الصينية التي سجلت انتشار فيروس SARS في 2002، ومناطق في السعودية ودول خليجية أخرى التي سجلت أولى إصابات بفيروس MERS في 2012، وصولاً الى مدينة ووهان الصينية التي انطلق منها فيروس كورونا في نوفمبر 2019، وأغلب هذه المناطق تعاني من حدة التلوث وخاصة المتعلق بالانبعاثات الغازية أو ما يعرف بالضباب الدخاني. ويسجل تضرر على نطاق واسع للثروة الحيوانية في العالم بسبب زيادة التلوث وبلوغ آثاره السلبية الى المناطق البرية بفعل التوسع الصناعي والعمراني، وبدراسة تفاعلات الحيوانات مع شدة التلوث، رصدت ظاهرة نفوق الحيوانات أو انقراضها فضلا عن تسجيل تفاعلات وتشوهات جنينية لبعضها والتي قد تؤدي الى مرضها بفيروسات قاتلة.
ففي الصين على سبيل المثال على الرغم من التقدم الذي أحرزته في معالجة تلوث الهواء في السنوات الأخيرة، وذلك من خلال إغلاق المصانع القديمة وتحديثها وفرض قيود جديدة على معالجة الانبعاثات، الا أن مدناً كثيرة ماتزال ترزح تحت سطوة التوسع الصناعي الكبير والانبعاثات الغازية الملوثة، حيث صنفت مدينة ووهان على سبيل المثال والتي ارتبطت بمنشأ كورونا الجديد والمستمر في الانتشار الى اليوم، بين أكثر المدن الصينية تلوثاً وهي تحتل المرتبة 146 عالميًا بين أكثر المدن في العالم تلوثاً على قائمة AirVisual، وقد شهدت المدينة 3 أشهر قبل انطلاق الفيروس احتجاجات كبيرة – وصفت بالنادرة في الصين – حول خطط إنشاء مصنع جديد لحرق القمامة[10].
المصدر: وحدة التحليل والبحث في مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (CSRGULF)
المراجع:
[1] أنظر توقعات الرطوبة في الكويت، Average Humidity In Kuwait، https://weather-and-climate.com/average-monthly-Humidity-perc,Kuwait,Kuwait
[2] Matt Woodley, Warm weather may have helped suppress coronavirus, RASGP, 20 Feb 2020, https://www1.racgp.org.au/newsgp/clinical/warm-weather-may-have-helped-suppress-coronavirus
[3] راجع مؤشر الأمان العالمي، UL Safety، https://ulsafetyindex.org/country/
[4]أنظر قاعدة بيانات البنك الدولي، 2020، https://wits.worldbank.org/CountrySnapshot/en/KWT
[5] World Health Organisation report, Coronavirus disease 2019 (COVID-19) Situation Report – 32 Data as reported by 21 February 2020, https://www.who.int/docs/default-source/coronaviruse/situation-reports/20200221-sitrep-32-covid-19.pdf?sfvrsn=4802d089_2
[6] World Health Organisation report, Coronavirus disease 2019 (COVID-19) Situation Report – 32 Data as reported by 21 February 2020, https://www.who.int/docs/default-source/coronaviruse/situation-reports/20200221-sitrep-32-covid-19.pdf?sfvrsn=4802d089_2
[7] Qishin Tariq, Are packages from China safe from coronavirus?, Thestar, Jan 2020, https://www.thestar.com.my/tech/tech-news/2020/01/31/are-packages-from-china-safe-from-coronavirus
[8] أنظر بيان مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة، يناير 2020، Coronavirus Disease 2019 (COVID-19), https://www.cdc.gov/coronavirus/2019-nCoV/index.html
[9] أنظر تقرير منظمة الصحة العالمية، مارس 2016، https://www.who.int/features/factfiles/environmental-disease-burden/fr/
[10] James Griffiths, China has made major progress on air pollution. Wuhan protests show there’s still a long way to go, CNN, July 11, 2019, https://edition.cnn.com/2019/07/10/asia/china-wuhan-pollution-problems-intl-hnk/index.html