– التنافس المستقبلي بين إيران ودول المنطقة لن يكون عسكرياً وينتقل الى التفوق العلمي
– تفوق الجامعات الإيرانية على الخليجية بسبب تعزيز البحث العلمي وتخصصات التقنية والتكنولوجيا
– إيران تستبق المنافسة المستقبلية مع دول الخليج بشأن التحول لاقتصاد المعرفة
– الاتفاق النووي نقطة تحول للعلوم في إيران
– بطء وتيرة التطور العلمي في العالم العربي ودول الخليج
– إيران تتبع إسرائيل في دعم العلوم والأبحاث لتضمن تفوقها على العرب
الكويت، 26 فبراير 2020 (csrgulf): برنامج سري تموله إيران منذ نحو عشرين عاماً قد يرى النور قريباً، ويراهن عليه النظام من أجل قلب ميزان القوة في المنطقة خاصة في ظل الحصار الاقتصادي المفروض على طهران منذ سنوات. ويتمثل البرنامج في تطوير القدرات البشرية والتقنية لطهران في مجال العلوم والتكنولوجيا لأهداف مختلفة أهمها خلق موارد غير نفطية لزيادة الدخل وتقليص آثار العقوبات، وثانياً زيادة امتلاك مقدرات القوة التكنولوجية لأغراض سلمية أو عسكرية والتي تعتقد إيران أنها سلاح للتفوق المستقبلي على دول المنطقة.
وقد أثبت تقرير بحثي لمركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf) زيادة نشاط الجامعات ومراكز الأبحاث الإيرانية في مجال النشر العلمي واستشراف الحلول والاختراعات. ونقلت إيران بذلك مجال المنافسة على القوة خاصة مع دول الخليج الى ميدان العلوم والبحث والتطوير والتكنولوجيا وحققت طفرة غير مسبوقة بتصدرها أسرع دول العالم نشرا للأبحاث العلمية ومتقدمة بشكل كبير على دول مجلس التعاون الخليجي في مسار التحول الى اقتصاد المعرفة خاصة على مستوى كفاءة التعليم والبحث.
وباتت الحكومة الإيرانية التي كانت تعول بشكل تقليدي ومكثف على تصدير المواد الخام تضاعف جهودا واجراءات حازمة لإعطاء أولوية للتنمية المبنية على المعرفة. وتراهن على تطوير التعليم من اجل ضمان التفوق الاستراتيجي بعيد المدى على دول المنطقة، وبذلك فان إيران تحذو خطوات إسرائيل في سباق التنافس على القوة مع الدول العربية وخاصة الخليجية بتعزيز قدراتها العلمية التي تمثل سلاح المستقبل.
وعلى الرغم من ترتيب طلبة إيران القريب من الحسن في مؤشر الذكاء العالمي IQ عند 23 عالمياً[1]، الا أن ذلك لا ينفي تضاعف مستوى الجهود السرية لتعزيز مستويات القدرات المعرفية خاصة في مجالات التكنولوجيات الحديثة، وهو ما قد يمثل حافز حقيقي لتعزيز القدرات الذاتية لتطوير منتجات قد تزيد من قدرات إيران التنافسية في الأسواق الإقليمية إذا رفع الحظر عنها وهو ما يمثل أرضية منافسة جديدة في منطقة الخليج بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي على اقتصاد المعرفة والتكنولوجيات الحديثة. وما قد يمثل قلقاً جدياً خطوات إيران المتسارعة لتطوير أبحاث الفضاء والروبوتات والطائرات بدون طيار. وقد تم رصد صور في أواخر يناير الماضي تشير إلى أن إيران تجري إصلاحات وتعديلات تقنية وتستعد لإطلاق قمر صناعي في الفضاء في أعقاب سلسلة من المحاولات الفاشلة الأخيرة[2]. وعلى صعيد آخر تعمل إيران على تطوير تقنيات التجسس الالكترونية كإحدى وسائل الحروب المستقبلية والتي تنبهت لها بعض القوى الدولية المعادية لطهران وتريد إيقاف تطورها التكنولوجي خاصة في مجال التسلح والتجسس[3]. ومثلما تستفيد إيران من تبادل الخبرات بينها وبين القوى الحليفة كروسيا والصين، تستفيد أيضاً من باحثيها وعلمائها المغتربين في دول عدة أبرزها دول أوروبية وغربية بما فيها الولايات المتحدة من أجل زيادة امتلاك قدرات علمية في مجالات تطوير المعرفة والذكاء التكنولوجي.
تفوق الجامعات الإيرانية على الخليجية بسبب تعزيز البحث العلمي وتخصصات التقنية والتكنولوجيا
تفوقت إيران على جل الدول الخليجية الست في تصنيف أقوى الجامعات التي تمتلك أفضل الأنظمة التعليمية في العالم. ففي حين صنفت نحو 36 جامعة إيرانية في ترتيب أقوى الجامعات في العالم لعام 2019، لم تدرج سوى نحو 14 جامعة في دول مجلس التعاون الخليجي في هذا التصنيف الذي يرتب أفضل المؤسسات الجامعية الحكومية والخاصة في العالم من حيث كفاءة الأداء والمناهج والتقدم العلمي والتكنولوجي والبحث العلمي ونجاعة الأنظمة التعليمية والقدرة على الابتكار والتطوير.
وتعتبر السعودية أفضل دول الخليج في تحسين كفاءة مؤسساتها التعليمية والبحثية والتي استطاعت تحسين تنافسية جامعاتها ومعاهدها خاصة في مجالات الهندسة والتكنولوجيات المتقدمة لتصبح نحو 7 مؤسسات جامعية تقود مجالات التطوير الخليجي وتسهم في دعم سوق العمل بكفاءات قادرة على التغيير والانجاز والتطوير.
وحلت الامارات في المرتبة الثانية بنحو 4 مؤسسات جامعية باتت تستجيب للمعاير الدولية للكفاءة والأنظمة والمناهج المتطورة والقادرة على تحفيز قدرات الطلبة وصقل مواهبهم وخلق الابتكار والابداع.
وحلت بقية دول الخليج كالكويت وقطر وعمان في التصنيف كل بلد بمؤسسة جامعية فقط استطاعت تأهيل معاييرها لتواكب المعايير العالمية للتعليم والابتكار والقدرة على خلق طلبة مبدعين. وبقيت جامعة الكويت هي المؤسسة الوحيدة المحافظة على المنافسة في التصنيفات الدولية رغم زيادة عدد الجامعات الأخرى الحكومية والخاصة.
وقد اعتمدت إيران على اصلاح منظمة التعليم خاصة التعليم العالي الحكومي بزيادة الانفاق على تطوير مناهج الدراسة وبنية البحث العلمي والمختبرات. وخاصة في مجال الفيزياء وتكنولوجيات الاتصال الرقمي والمعلومات والهندسة والفضاء والصناعات خاصة الصناعات الحربية. وعملت الحكومة الإيرانية منذ سنوات على تحقيق إنجازات ملموسة بتأهيل قطاع التعليم الجامعي المتقدم بشكل خاص وتحسين النظام التعليمي وفق المعايير الدولية، وفاجأت التحسينات في مختلف مؤشرات النظام التعليمي الكثيرين[4]
وعلى الرغم من محدودية الموازنة المخصصة للتعليم العالي واستقرار نسبة الامية عند 10 في المئة من الشعب الإيراني، الا أن جهود الحكومات الإيرانية المتعاقبة لإصلاح التعليم كانت انتقائية ومركزة على مجالات محددة. وعلى مدى العقد الماضي، تم إنشاء العديد من مراكز الأبحاث و143 شركة في مجال تكنولوجيا النانو. وبحلول عام 2014، حلت إيران في المرتبة السابعة على مستوى العالم في حجم الأوراق العلمية المتعلقة بتكنولوجيا النانو، حتى وإن كان لا يزال يتم منح عدد قليل من براءات الاختراع للمخترعين[5].
وقد تضمنت موازنة إيران لفترة 2019-2020 زيادة في الإنفاق على أساس سنوي تبلغ 7.7 مليار دولار، سيتم تخصيصها لاستثمارات في المجال العلمي، مع تخصيص مليار دولار لمعدات المختبرات وزيادة بنسبة 71 في المئة في المبلغ المخصص لمراكز العلوم والتكنولوجيا[6].
وتصدرت إيران دول العالم كأكثرها تسجيلا لنمو وتيرة نشر الأبحاث العلمية منذ 2011. وقد ارتفع الناتج العلمي لإيران 18 ضعفاً بين عامي 1996 و2008 فقط، من 736 ورقة منشورة إلى 13238 ورقة[7]، وهو ما يجعل إيران تمتلك أسرع معدل للنشر العلمي في العالم. وإذا كانت العلاقات السياسية بين إيران والولايات المتحدة متوترة، فيبدو أن تشارك الأوراق البحثية والعلمية بين علماء البلدين يسير على ما يرام، حيث ارتفع عدد الأوراق التعاونية بينهما بمقدار خمسة أضعاف تقريبًا من 388 إلى 1831 خلال نفس الفترة[8].
وفيما حلت إيران في المرتبة 15 عالمياً حتى قبل إسرائيل في نشر الأبحاث العلمية، تأخرت دول الخليج في الترتيب حيث حلت السعودية الأولى خليجياً في المرتبة 37 عالمياً، تلتها الامارات في المرتبة 59 عالمياً فقطر في المرتبة 65 عالمياً، فعمان في المرتبة 80 عالمياً والكويت في المرتبة 81 عالمياً، فالبحرين في المرتبة 105 عالمياً[9].
إيران تستبق المنافسة المستقبلية مع دول الخليج بشأن التحول لاقتصاد المعرفة
في حين رفعت دول الخليجية كافة موازنة التعليم والتطوير والبحث لتعزيز تموقعها في مسار التحول لاقتصاد المعرفة، سبقتها إيران الى ذلك مدفوعة بضرورة تطوير ملاذات جديدة للقفز على الحظر المفروض منذ سنوات على أنشطتها الاقتصادية التقليدية.
ولقد أثّرت أربعة عقود من العقوبات الاقتصادية والعزلة السياسية على كل مجالات الحياة في إيران. ولكن على الرغم من العقوبات، ازدهر العلم والبحث في الجامعات الإيرانية خاصة. وفقًا لتقرير اليونسكو المستشرف للتنمية في أفق 2030، فإن العقوبات سرعت من وتيرة التحول الإيراني من الاقتصاد القائم على الموارد إلى الاقتصاد القائم على المعرفة من خلال تحدي صناع السياسة الإيرانية للحظر والمشاكل التنموية والمراهنة على التعويل ليس على الصناعات الاستخراجية بل التحول في الاستثمار في الرأس المال البشري في البلاد لخلق الثروة، حيث زاد بين عامي 2006 و2011 عدد المؤسسات التي تستثمر في أنشطة البحث والتطوير الى أكثر من الضعف[10].
الاتفاق النووي نقطة تحول للعلوم في إيران
من الممكن أن يكون الاتفاق النووي المبرم عام 2015 نقطة تحول للعلوم في إيران، حيث من المرجح أن العقوبات الدولية قد حثت النظام على تسريع عملية الانتقال إلى اقتصاد المعرفة، وذلك للتعويض عن فقدان عائدات النفط والعزلة الدولية عن طريق تطوير المنتجات والخدمات المحلية. وهكذا، فإن تدفق العائدات الناجم عن رفع شامل للعقوبات قد يعطى الحكومة فرصة لزيادة تعزيز الاستثمار في مجال البحث والتطوير، والذي كانت نسبته 0.31 في المئة من إجمالي الناتج المحلي الاجمالي عام 2010[11].
وحيث شددت العقوبات الاقتصادية الخناق، سعت الحكومة لتعزيز الابتكار الذاتي. فتم تأسيس صندوق الابتكار والازدهار عام 2010 لدعم الاستثمار في البحث والتطوير للمؤسسات القائمة على المعرفة
ولتسويق نتائج الابحاث، بالإضافة إلى مساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة على اكتساب التكنولوجيا. فخلال عامي 2012 وأواخر 2014، زعمت إيران تخصيص 4600 مليار ريال إيراني أي حوالي 1714 مليون دولار أمريكي إلى الشركات القائمة على المعرفة[12]. وقد حققت جمهورية إيران الإسلامية تقدماً ملحوظاً في مجال البحوث والتعليم العالي والتكنولوجيا منذ عام 1990. ولقد نجحت في تجنب ما يسمى “لعنة الموارد الطبيعية”. حيث نما القطاع الصناعي على مستوى الحجم والتنوع في العقود الأخيرة، مما جعل إيران بين أكثر اقتصادات المنطقة تنوعًا، مع اعتماد أقل على دخل التشغيل والصيانة، مقارنة بالدول الأخرى الغنية بالنفط في الشرق الأوسط. وخلال العقدين الماضيين، التزمت إيران بتطوير نظام وطني للابتكار الديناميكي (NIS) وكثفت المساعي نحو اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار[13]. حيث عززت فترة العقوبات الدولية عزم النظام الايراني على تحقيق هذا الهدف. ونتيجة لهذا الالتزام، أصبحت قاعدة الموارد البشرية في البلاد معززة بالكفاءات، فهي تضم عددًا كبيرًا من الإيرانيين ذوي التعليم الجيد والمدربين سواء في الداخل أو في الشتات الذين يعيشون في الخارج كعلماء ورجال أعمال. وتسعى إيران إلى تعزيز قدرتها الإنتاجية، وتشجيع التعاون الدولي لتبادل التكنولوجيا والخبرات الفنية، والمشاركة بنشاط أكبر في الأنشطة الابتكارية لتعزيز النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة[14].
بطء وتيرة التطور العلمي في العالم العربي ودول الخليج
بدراسة توجهات البحث العلمي في العالم العربي ودول الخليج مقارنة بإيران واسرائيل ماتزال المؤشرات بعيدة عن المطلوب لرفع كفاءة قطاع البحث وتطوير جودة التعليم. وتبين أن السبب الرئيس لضعف البحث العلمي على سبيل المثال في الكويت وبعض دول الخليج والوطن العربي يعود لعدم كفاءة وتطور أنظمة التعليم الابتدائي والعالي، اذ لم تتمكن أي دولة عربية أو خليجية بسبب ضعف آليات فاعلة واستراتيجية شاملة ومتقدمة للتعليم من التواجد «ضمن أقوى 40 نظاما تعليميا في العالم» في عام 2018 حسب تصنيف منصة Master and more العالمية لتصنيف انظمة التعليم والجامعات.
وفي أحدث تصنيف لأقوى أنظمة التعليم في العالم التي أتت دول آسيوية ككوريا الجنوبية في مقدمته، التحقت دول نامية جديدة بقائمة اقوى الأنظمة التعليمية كإندونيسيا والمكسيك والبرازيل، وفسر القائمون على التصنيف السنوي بان هذه الدول الملتحقة الجديدة لا تتقدم فقط في صناعاتها ولكن نظمها التعليمية بدأت تنافس أكثر فأكثر على المستوى العالمي. وهو ما يفسر زيادة اهتمام هذه الدول بتنمية التعليم والبحث العلمي. اذ استمر عدد الباحثين في البرازيل على سبيل المثال في الارتفاع وبلغ نحو 700 باحث على كل مليون نسمة في 2010 كأحدث رقم متوفر حسب احصائيات اليونيسكو والبنك الدولي الا ان هذا الرقم قد يكون قفز الى أكثر من ذلك حسب بعض التقارير البرازيلية.
وعلى ضوء نتائج هذه الاحصائيات يبدو أن مراكز الأبحاث العربية والخليجية تفتقر لأساسيات ودعائم البحث العلمي الحديث ليس بسبب محدودية الميزانيات الموجهة لهذا المجال فقط بل لعدم توفر نظام تعليم أساسي يشجع على البحث والانتاج العلمي والتطوير في كافة المجالات.
وبمقارنة النشاط العلمي والبحثي بين دول العالم العربي والخليج مع إيران، فانه على الرغم من أن طهران تعاني من الانفاق المحدود وإشكالية هجرة الادمغة والكفاءات[15] منذ وقت طويل وبشكل أكبر من دول الخليج. الا أنها في عام 2017، احتلت المرتبة السابعة على مستوى العالم من حيث عدد الأوراق العلمية المنشورة المتعلقة بتكنولوجيا النانو. ومع ذلك، سيكون من الخطأ اعتبار العقوبات قوة إيجابية للعلوم والأبحاث في إيران. اذ على الرغم من أن العقوبات دفعت النظام التعليمي إلى أن يكون أكثر إبداعًا، إلا أنها فرضت العديد من التحديات على الطلاب والعلماء. على سبيل المثال، نتيجة للعقوبات المفروضة على النظام المصرفي الإيراني، فقدت العديد من الجامعات اشتراكاتها في المجلات الأكاديمية الدولية، لمجرد أنها لم تستطع تحويل الأموال لدفع ثمن الوصول إلى المجلات[16].
ويعتبر عدد الباحثين في غالبية الدول العربية مقارنة مع نسبة المتعلمين محدودا جدا مقارنة مع الدول الغربية، ويرجح أن تطور مسار البحث في الوطن العربي والمنطقة لا يأتي نتاجا لسياسات حكومية داعمة بشكل مباشر بقدر ما هو مرتبط برغبة الأفراد في مواصلة البحث العلمي، وعلى أساس ذلك فإنه يلاحظ افتقار كبير في الوعي الجمعي العربي لثقافة الاقبال على مواصلة البحث العلمي والتخصص فيه، فعلى سبيل المثال تعتبر نسبة الأفراد الخليجيين العاملين في مراكز البحث العلمي في موطنهم في دول الخليج الست أقل من نسبة الباحثين الخليجيين العاملين في الخارج خصوصا الذين يواصلون دراساتهم العليا وتخصصاتهم البحثية المتقدمة في مجالات التكنولوجيا والتقنيات الحديثة. ويرجح أن السبب يكمن في ثقافة داعمة للبحث وتقدير جمعي لدور الباحث في المجتمع.
ابتكارات عربية محدودة بسبب ضعف البحث العلمي
ما يزال انتاج الدول العربية من الاكتشافات والابتكارات محدودا، ووفق مؤشر نظام التطوير والابتكار والتشجيع على البحث العلمي تحتل الإمارات العربية المتحدة حسب وثيقة مؤتمر الانجاز العربي للبحوث والتطوير في اليونيسكو المرتبة الأعلى بين الدول العربية تليها قطر ثم الأردن، وبالمقارنة مع عام 1995، تظهر اثنتا عشرة دولة عربية انخفاضا في مؤشر الابتكار والبحث والتجديد العلمي، في المقابل ثلاثة من البلدان العربية يمكن اعتبارها في مجموعة الدول التي لديها مستوى عالٍ من جهود تطوير التعليم والبحث والابتكار استعدادا للانتقال لاقتصاد المعرفة.
وتجدر الإشارة إلى أن قيمة مؤشر الابتكار وتطور البحث العلمي في عدد من البلدان النامية ارتفعت منذ عام 2005 بالمقارنة مع عام 1995. فحققت الصين على سبيل المثال أعلى زيادة في هذه القيمة بنحو (1.06)، تليها تركيا (0.71) ثم ماليزيا (0.63)، بينما حققت جنوب شرق آسيا أكبر نسبة ارتفاع بسبب تحسن مستويات التعليم والبحث العلمي والتكنولوجي خصوصا في الهند وسنغافورة.
وتعتبر سنغافورة أفضل بلد حقق تجربة نجاح في مجال البحث العلمي بفضل منظومة التعليم، نتيجة لذلك حصلت جامعات سنغافورة على المرتبة الثانية في ترتيب أفضل جامعات العالم وفق «وورلد توب 20» وقد تقدمت كثيرا في المراتب على مستوى التعليم في السنوات الأخيرة لقيامها بإصلاحات كبيرة في هذا المجال. وقد بنت سنغافورة طريقة التعليم في مختلف المراحل على منهج الاقناع وليس التلقين، وهي متقدمة بذلك على دول عالمية في مستوى كفاءة الطالب العلمية في المرحلة الابتدائية ومن المرجح ان تتفوق حتى على بريطانيا في هذا المجال.
وهناك دول آسيوية أخرى مثل اليابان وكوريا الجنوبية عززت استثماراتها في مؤسسات التعليم الابتدائية والمرافق التابعة لها ودعم المناهج وتسهيل طرق تلقي الطالب للدروس وذلك بهدف تأسيس الطفل حتى يتقلص خطر انحراف مساره التعليمي مستقبلا. فعلاج المشكلة التعليمية في هذه الدول يبدأ بأساس المشكلة، ولذلك فإن مخرجات التعليم فيها تتمتع بكفاءة عالية ونسبة استمرارية وقدرة على الخلق والابداع والابتكار وتفوق في مجال البحث العلمي. ويبدو أن مجال التفوق العلمي والبحث مثلما تراهن عليه إيران للتفوق في ميزان القوة المستقبلية في المنطقة، راهنت عليه قبلها إسرائيل.
مقارنة بين إسرائيل والدول العربية على مستوى البحث العلمي
تبين من خلال دراسة وضع البحث العلمي في المنطقة، أن أنظمة التعليم والبحث العلمي في الدول العربية والخليجية ماتزال بعيدة عن المستوى العالمي المطلوب. فميزانيات البحث العلمي في الدول العربية على الرغم من بعض الدعم الذي سجلته خصوصا في دول الخليج ما تزال محدودة ولم ترتقِ الى المعايير الدولية، في المقابل تضخمت ميزانيات التسلح في هذه الدول.
وبينما توصلت جهود البحث العلمي في اسرائيل على سبيل المثال الى تطوير تكنولوجيا الجزيئيات «النانو» تأخرت مراكز الأبحاث العلمية العربية عن اللحاق بركب الدول التي استفادت من الثورة العلمية والتكنولوجية الحالية، وبقيت غالبية الدول العربية دون استثناء في تبعية لمراكز الأبحاث والعلوم والتكنولوجيا في الخارج.
يذكر على سبيل المثال أن مراكز أبحاث اسرائيل طورت علاجات كثيرة وتوصلت في السنوات الأخيرة الى براءات اختراع متعددة في مجال الأدوية مثال علاج مرض الباركينسون «مانيتول» و«ايكسيلون» لمعالجة «الزهايمر» وآلة طبية لمساعدة العاجزين على المشي «ري وولك»، وتعد مخابر أدوية «تيفا» الاسرائيلية من أكبر الشركات المصنعة والمسوقة للدواء في العالم، الا أن الدول العربية تزايد انفاقها الصحي على استيراد الأدوية.
وحسب تقرير لغرفة التجارة والصناعة السعودية الأميركية فقد زادت نسبة وارادت الخليج والعرب من أميركا خصوصا على مستوى الأدوية، ولم تتوصل مراكز الأبحاث العلمية العربية الى اكتشافات كثيرة في ميدان الطب على سبيل المثال. وفيما ظهر فيروس (كورونا) أو ما يعرف بعدوى «مرس» في المنطقة وكان أول ظهور له في المملكة العربية السعودية في 2012 وانتقل الى الكويت ودول خليجية أخرى، تبين أن مراكز الأبحاث الخليجية لم تتوصل الى تأطير هذه العدوى واكتشاف مضادات لها فيما بادرت مراكز أبحاث أميركية وكندية في اكتشاف علاج يقلص من خطر الاصابة بـ”كورونا”.
هذا بالنسبة للأبحاث الطبية، أما بالنسبة للأبحاث التكنولوجية، فلم تظهر إسهامات عربية على مستوى الأبحاث العالمية في هذا المجال، وفيما طورت مراكز أبحاث إسرائيل تطبيقات جديدة في الكمبيوتر والهواتف وأجهزة أخرى تسمح حتى بالتجسس والمراقبة على المكالمات الدولية، بقيت الاختراعات العربية محدودة جدا.
ويذكر أيضا أن أقمارا اصطناعية تصنع في اسرائيل، هذا بالإضافة الى التكنولوجيا الحربية التي تفوقت خلالها اسرائيل على كل العرب، كما تميز الاسرائيليون خصوصا في تقنية الأمن التكنولوجي للحواسيب والهواتف واختراعات في مجال التحكم في الطاقة الشمسية وتحلية المياه.
وذاع صيت اختراعات وأبحاث وادي التكنولوجيا في اسرائيل متعدد الاختصاصاتnew silicon valley على غرار مراكز التكنولوجيا في أميركا والهند، ولجأت اسرائيل الى زيادة تعاونها مع أوروبا في مجال البحث العلمي حيث أكد موقع الاتحاد الأوروبي أن أكبر برنامج تعاون مع اسرائيل يتركز على آليات جديدة في البحث العلمي. أما الدول العربية والخليجية فقد تبين أن أكبر مجالات التعاون بينها وبين الدول الغربية الأوروبية والأميركية ماتزال تتركز على تجارة الغذاء والنفط والسلاح وليس في مجال تطوير العلوم والبحوث (أرقام من موقع الاتحاد الأوروبي ومنظمة التجارة العالمية عن الواردات العربية من الاتحاد الأوروبي وأميركا).
إسرائيل تدعم العلوم والأبحاث لتضمن تفوقها على العرب
تمثل سبب تطور التعليم في اسرائيل في نمو حجم الانفاق على البحث العلمي في المدارس والجامعات وقطاعات التربية ودعم مؤسسات البحث المستقلة، وبلغ حجم هذا الانفاق نحو 4.2 في المئة من اجمالي ناتجها القومي حسب احصائيات البنك الدولي. وتنفق اسرائيل بسخاء على انشاء معاهد بحثية وجامعات مرتبطة بأفضل الجامعات في العالم. وحسب موقع الفيزيائيين العالمي «فيز» فقد «حاز 10 اسرائيليين في الأربعين سنة الأخيرة على جائزة نوبل بينهم ثلاثة في الكيمياء وكانوا من خريجي الجامعة التكنولوجية المرموقة في مدينة حيفا الشمالية، والتي قدمت مخرجات تعليمية تمثلت في أكثر من 70 في المئة من المهندسين في اسرائيل كما وفرت 80 في المئة من المديرين التنفيذيين للشركات الإسرائيلية المدرجة في بورصة ناسداك.
ولدى اسرائيل أفضل الجامعات تصنيفا في العالم وخصوصا في قطاع التكنولوجيا والعلوم والفيزياء، كما توظف حسب تقرير لـ«هآارتز» أفضل المدرسين والأساتذة من حيث المهارة وليس من حيث الخبرة، كما تعتمد أيضا برامج تعليمية مطابقة لأعلى المواصفات العالمية. وأهم المراحل التي تعتني بها منظومة التعليم في إسرائيل هي المرحلة الابتدائية والتي تصفها بالملحة والتي تستدعي رعاية خاصة للأطفال في المراحل الأولى لتعليمهم.
فالمرحلة الابتدائية وتكوين الطفل هي أساس نجاح مسيرة الطالب العلمية حسب منظومة التعليم في بريطانيا حسب «تيلغراف» ويعد التحفيز على القراءة منذ مراحل التعليم الأولى للطفل أهم أساس لترغيب الطالب في المثابرة في الدراسة والبحث.
المصدر: مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf)
المراجع:
[1] أنظر ترتيب الدول حسب مؤشر الذكاء العالمي، IQ، https://new-iq-test.com/iq-by-country/
[2] GEOFF BRUMFIEL, Imagery Suggests Iran Is Preparing To Try To Launch A Satellite, NPR, January 27, 2020, https://www.npr.org/2020/01/27/800045774/imagery-suggests-iran-is-preparing-to-try-to-launch-a-satellite
[3] أنظر تقرير الغارديان، The science of spying: how the CIA secretly recruits academics، 2017، , theguardian.com/news/2017/oct/10/the-science-of-spying-how-the-cia-secretly-recruits-academics
[4] Iranpress, Iranian Minister: Iran Press disseminates news of progress in education for a worldwide audience, Jan 15, 2019, Tehran, http://iranpress.com/en/iran-i131543-iranian_minister_iran_press_disseminates_news_of_progress_in_education_for_a_worldwide_audience
[5] تـقـريـــر اليونسكو للعـلـوم حـتـى عـــام 2030، ملخص تنفيذي، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، صدر في عام 2015 عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة،
France, SP 07 Paris 75352, Fontenoy de place, 7، file:///C:/Users/IMED/Downloads/235407ara%20(1).pdf
[6] See castlereagh Report, Iran prepares for 2019-2020 Budget, https://castlereagh.net/iran-prepares-for-2019-2020-budget/?pdf=601
[7] Andy Coghaln, Iran is top of the world in science growth, newscientist, Mars 2011, https://www.newscientist.com/article/dn20291-iran-is-top-of-the-world-in-science-growth/
[8] Andy Coghaln, Iran is top of the world in science growth, newscientist, Mars 2011, https://www.newscientist.com/article/dn20291-iran-is-top-of-the-world-in-science-growth/
[9] أنظر اخر تحديث لتصنيف الدول حسب المنشورات العلمية والبحثية، 2016، Scientific and technical journal articles – Country Ranking، https://www.indexmundi.com/facts/indicators/IP.JRN.ARTC.SC/rankings
[10] Education in Iran: Opportunities and Challenges, Fanack, aug 2017, https://fanack.com/education/education-in-iran/
[11] تـقـريـــر اليونسكو للعـلـوم حـتـى عـــام 2030، ملخص تنفيذي، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، صدر في عام 2015 عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة،
France, SP 07 Paris 75352, Fontenoy de place, 7، file:///C:/Users/IMED/Downloads/235407ara%20(1).pdf
[12] تـقـريـــر اليونسكو للعـلـوم حـتـى عـــام 2030، ملخص تنفيذي، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، صدر في عام 2015 عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة،
France, SP 07 Paris 75352, Fontenoy de place, 7، file:///C:/Users/IMED/Downloads/235407ara%20(1).pdf
[13] UNCTAD, SCIENCE, TECHNOLOGY AND INNOVATION POLICY REVIEW – ISLAMIC REPUBLIC OF IRAN, UNITED NATIONS PUBLICATION, /DTL/STICT/2016/3, Copyright © United Nations, 2016, Printed in Switzerland, https://unctad.org/en/PublicationsLibrary/dtlstict20163_en.pdf
[14] UNCTAD, SCIENCE, TECHNOLOGY AND INNOVATION POLICY REVIEW – ISLAMIC REPUBLIC OF IRAN, UNITED NATIONS PUBLICATION, /DTL/STICT/2016/3, Copyright © United Nations, 2016, Printed in Switzerland, https://unctad.org/en/PublicationsLibrary/dtlstict20163_en.pdf
[15] Ali Mohammidi, Iran Encountering Globalization: Problems and Prospects, Routeledge Curzon, 2003, https://books.google.tn/books?id=2TojZnpVRwcC&pg=PA191&lpg=PA191&dq=iran+education+modernising&source=bl&ots=o-jEN7cOKj&sig=ACfU3U2vA4C0kiRxOdMTvzwvRPRqipSygA&hl=fr&sa=X&ved=2ahUKEwiPybj_-OznAhVbRhUIHcjlCuEQ6AEwBXoECAsQAQ#v=onepage&q=iran%20education%20modernising&f=false
[16] Education in Iran: Opportunities and Challenges, Fanack, aug 2017, https://fanack.com/education/education-in-iran/