الكويت، 4 فبراير 2020 (csrgulf): تزيد احتمالات اندلاع مواجهة جديدة بين حزب الله اللبناني وإسرائيل على المدى القريب. هذه الاحتمالات يبررها رصد عدة تقارير لوجود تحركات وتنسيق حثيث بين الإيرانيين ومسؤولين في حزب الله.
وعلى الأرجح أن التنسيق قد يهدف لترتيب القيام بعمل عسكري ضد أهداف إسرائيلية في المناطق المحتلة المتاخمة والتي بدورها تشهد تحركات عسكرية ميدانية كبيرة منذ اغتيال قائد فليق القدس الجنيرال قاسم سليماني الذي كان يشرف على اتمام مهمة سرية لم يستكملها . فمن خلال حزب الله في لبنان، يمكن لإيران أن تنتقم من إسرائيل، مع اعتبار أن صورة حزب الله في لبنان كقائم برعاية المصالح الإيرانية فقط سيتم تعزيزها[1].
وحسب رصد شامل قام به مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf) لاحتمالات الصراع بين حزب الله واسرائيل على خلفية مقتل سليماني، فانه من المرجح على عكس ما أعلنته قيادات الحرس الثوري بشأن توقف المطالبة بالثأر والانتقام لمقتل قائد فيلق القدس، تطرح سيناريوهات مختلفة تتدارسها على الأرجح قيادات الحرس وفيلق القدس لرد الاعتبار والانتقام بشكل نوعي بدون الاضطرار للدخول في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة. في الأثناء، يتصدر احتمال كبير ولا فت تدل عليه مؤشرات ومتغيرات كثيرة على الأرض، ويفيد بإمكانية سعي الحرس الثوري الى تشتيت انتباه الجيش الأمريكي بتحويل ساحة الصراع غير المباشرة من العراق الى لبنان عبر دعم مخطط فتح مواجهة مع إسرائيل عبر حليف إيران حزب الله بالاستفادة من زيادة الغضب الشعبي العربي من الولايات المتحدة والدولة العبرية على خلفية اعلان تفاصيل صفقة القرن التي يعتبرها الفلسطينيون مذلة، وتثير تفاصيلها قلق ومخاوف اللبنانيين والسوريين والاردنيين المتضررين منها.
مشاعر الغضب أذكت احتمالات عودة العمليات الفدائية تحت شعار مقاومة كيان الاحتلال. ولعل إيران قد تضغط على حليفها حزب الله من أجل استفزاز تل ابيب وتوريطها في مواجهة قد يكون حزب الله مستعد لها بقدرات هجومية متطورة على الأرجح انه استلمها أو وُعد باستلامها من قائد فيلق القدس نفسه قاسم سليماني قبل اغتياله.
وتراقب إسرائيل عمليات نقل الأسلحة التي تنتقل من إيران إلى العراق وأيضاً إلى حزب الله في لبنان، فضلاً عن الجماعات التي تدعمها إيران في غزة. وتخشى تل آبيب أن أي خطوة واحدة خاطئة تقدم عليها إسرائيل أو إيران الآن يمكن أن تؤدي إلى حرب إقليمية كبيرة[2]. وقد استبق الجيش الإسرائيلي أي مخططات لاختراقات لبنانية لحدوده من خلال القيام ببناء شبكة دفاعية مضادة لأي اختراق عبر الانفاق. وقد استمر الجيش الإسرائيلي في تعزيز قدراته الدفاعية والهجومية على طول الحدود الفاصلة بين لبنان وسوريا وإسرائيل خشية عمل عسكري مدعوم من إيران تقوم به قوات حزب الله ضد أهداف عسكرية او مناطق استيطانية.
وكانت تحذيرات إسرائيلية انطلقت من نهاية الصيف الماضي خشية احتمالات اقتراب تنفيذ مخطط للحرس الثوري بمهاجمة إسرائيل. وبررت ذلك بزيادة انتشار طائرات بدون طيار في الدول الحليفة لإيران كاليمن والعراق ولبنان والتي من الممكن استخدامها في عمل عدائي ضد إسرائيل خاصة من بوابة جنوب لبنان. ولدى إسرائيل يقين راسخ عبر تقارير مختلفة ان احتمال استهدافها عبر جنوب لبان احتمال متصاعد وقد يكون عبر هجمات صاروخية او عمليات خاصة ويفسر هذا الاحتمال بتصاعد التوترات الممتدة من اليمن إلى العراق ثم إلى سوريا وبيروت والتي تشكل قوسًا من الصراع الدائر الذي يربط دور إيران في جميع أنحاء المنطقة[3].
وتعي تل آبيب جيدا أن طهران قد تسعى لدعم عملية فدائية ضد الجيش الإسرائيلي خاصة في هذا الوقت من اجل توجيه رسالة رد اعتبار لها الى الراي العام والقوى في المنطقة والعالم وانتقاما لمقتل سليماني الذي كانت اخر محطة له في المشاورات قبل مقتله جنوب لبنان. لذلك قد يكون الانتقام لسلماني لبنانيا وقد يكلف هذا العمل العسكري لبنان الدخول في حرب خاطفة قد ترد إسرائيل عليها بعمل عسكري يستهدف المدنيين ويهجر الالاف من المناطق الحدودية. وقد بدأ سكان المناطق الحدودية اللبنانية مع إسرائيل في الشعور بالقلق من زيادة التعبئة العسكرية غداة اغتيال سليماني[4] تأهباً لمواجهة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي وانتظار لعبة من يبدأ بالاستفزاز أولا.
وقد بعث لقاء ابنة قاسم سليماني زينب في آواخر الشهر المنصرم للسيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله بمؤشرات تقود الى توقع ترتيب عمل ما خاصة وأن زينب المحت الى أن الانتقام لأبيها قد يكون عن طريق نصر الله، وعلى ما يبدو أن نصر الله، حمّل نفسه أمام الإيرانيين واللبنانيين أمانة الانتقام لسليماني أيضاً. وقد يكون توقيت التنفيذ اقترب لينسجم مع حالة شعبية متعاطفة مع المقاومة في ظل تأجج مشاعر الكراهية لإسرائيل والولايات المتحدة بعد الإعلان عن تفاصيل صفقة القرن.
وحسب تحليل مسار تحركات وتصريحات المسؤولين الإيرانيين وقيادات حزب الله فضلاً عن دراسة وثائق وأبحاث معمقة وعديدة، فان حرب لبنانية إسرائيلية تبدو غير مستبعدة في المدى القريب، تحرض عليها إيران من أجل الانتقام لقائدها سليماني الذي كلف بمهمة سرية قبل اغتياله.
آخر مهمة سرية لسليماني والمهندس والتي تسببت في اغتيالهما
على الأرجح حسب معلومات استخباراتية أمريكية أن زيارات سليماني في الأشهر الثلاثة للعراق ولبنان التي سبقت موعد اغتياله كانت بهدف زيادة توفير دعم لوجيستي وعسكري لمواجهة جل احتمالات مستقبل الفوضى والاحتجاجات التي يشهدها كل من لبنان والعراق، وكذلك شملت مهمته الاشراف على نقل أسلحة خفيفة ومتوسطة وطائرات بدون طيار إيرانية الصنع ذات استخدامات متعددة لعناصر حزب الله وقوات الحشد الشعبي في العراق وذلك باستغلال الفوضى السياسية والأمنية لتشتيت انتباه أجهزة الاستخبارات المحلية والدولية. لكن على الأرجح حسب بعض الدراسات التي ركزت على كل من مهام سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس قبل اغتيالهما، أن خط سير الرجلين كان مكشوفا أكثر على عكس توقعات الإيرانيين في ظل هذه الاحتجاجات التي من المرجح أنها شهدت اختراقات من أجهزة استخباراتية دولية وفي مقدمتها الولايات المتحدة، وبذلك فليس من المستبعد أن عوامل الفوضى التي شهدها البلدين ووجود عملا ء مزدوجين هي من ساعدت على كشف خطر سير سليماني والمهندس الى حد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتصفيتهما.
ومن المرجح أن مهام سليماني والمهندس في الفترة التي سبقت تصفيتهما كانت تنطوي على تفكيك شبكات مصالح مناوئة لإيران او جماعات مسلحة تعمل ضد مصالح او رؤية النظام الايراني في العراق ولبنان. وكانت من بين مهامها السرية الاشراف على تدريب قوات خاصة في جنوب لبنان تابعة لحزب الله وفي العراق بقيادة المهندس، فيما لم تكشف الوثائق طبيعة المهام التي تسند للفرق الخاصة بشكل مفصل ودقيق والتي يسعى فيلق القدس أن تكون من بين نخبة النخبة ويكون ولائها التام لإيران وتكلف بمهام تعطى لها مباشرة من الحرس الثوري وعلى الأرجح أنها مهام تستهدف مصالح أمريكية[5]. وهذا التهديد الذي بات يمثله سليماني ضد المصالح الامريكية في العراق بشكل خاص تنبهت اليه الولايات المتحدة أشهرا قبل الاغتيال حسب ما أوردت الوثيقة الاكاديمية من معلومات على الأرجح انها من مصادر مطلعة في الاستخبارات الامريكية.
وكان سليماني يساهم في الاشراف مع قيادات حزب الله على تدريب مجموعات خاصة تزود بأسلحة متوسطة وثقيلة. وعلى الأرجح ان هذه المجموعات في جنوب لبنان والعراق واليمن وسوريا حصلت على خبرة كبيرة في ميدان الحرب على يد مستشارين من فيلق القدس والحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني. ويبدو ان هم تمركز لهذه المجموعات كان في العراق من اجل القيام بعمليات معينة بقيادة أبو مهدي المهندس ومهمتها أيضا تنفيذ أوامر الحرس وخاصة في تفكيك المجموعات المعادية لإيران[6]. وتمثل “المجموعات الخاصة” الجديدة التي أشرف سليماني على تدريبها ميليشيات “خاصة” لا تخضع لسيطرة الحكومة وهي توفر دعماً ماديًا لقوات الحرس الثوري الإيراني وغيرها من الكيانات الإيرانية[7].
الحرس الثوري قد يستثمر في الغضب الشعبي لدعم المقاومة
ونظرا لتراجع شعبية النظام في إيران نفسها وفي دول الإقليم والدول الحليفة التي باتت تشكك في قدرات النظام الايراني وتبطن صفات الضعف، قد يستغل الحرس الثوري الغضب الشعبي العربي ضد صفقة القرن، لينفذ بعض المخططات البديلة لضرب مصالح أمريكية إسرائيلية. ضربة وان تمت ستعيد للنظام الإيراني مصداقيته وتصالحه على شعبه الغاضب الى اليوم والمشكك في بروباغندا القوة الإيرانية على غرار ما كان يروج لذلك نظام صدام حسين.
لذلك فانه لا يستبعد احتمال تنفيذ حزب الله اللبناني لعمليات خاصة باسم الثأر لقاسم سليماني ضد اهداف إسرائيلية كرسالة قوية لمقاومة صفقة القرن ورفضها. كما يمكن ان يزيد النظام الإيراني من دعمه لفصائل المقاومة الفلسطينية ويحرضهم على ضرب اهداف إسرائيلية تتبنى القيام بدعمها إيران من خلال الإشادة بالمقاومة.
كما يعرف على استراتيجية ادارة إيران للازمات انها تتبنى سياسة الاستيعاب. لذلك فقد تسعى الى مسايرة المزاج الشعبي الإقليمي الرافض في جزء منه للصفقة القرن التي تعتبر فرصة كبيرة للنظام الإيراني حتى يرسل موقفه من هذه الصفقة عبر رد مفاجئ وغير متوقع. فتاريخ التكتيك الإيراني العسكري ينبأ بمحاولة اعتماد عنصر المفاجأة في الرد. اذ لا يبدو ان مخطط الانتقام الإيراني لمقتل سليماني توقف عند ضربات صاروخية لقاعدة عسكرية أمريكية في العراق. وان أعلن الحرس الثوري بنفسه توقفه عن تنفيذ أي عمليات انتقام ضد الجيش الأمريكي، الا أن الحصيلة الخاوية للضربات الصاروخية، واسقاط الطائرة الأوكرانية المدنية على وجه الخطأ، كلها ردود فعل عسكرية أضرت كثيرا بمصداقية الحرس الثوري لدى طيف شعبي واسع ما عاد يثق به كما في السابق.
لذلك فان الحرس يعي جيدا تراجع شعبيته ببن الإيرانيين الذي خرجوا بملايين لتشييع سليماني ومطالبين بالثأر واراقة دماء الأمريكيين، لكن هذا مالم يحصل في ضربات صاروخية لم تطل أهدافها، ليخير قادة الجيش وحتى المرشد علي الخامنئي التريث والصمت وتدارس مخططات بديلة للرد على واشنطن. وقد تخير إيران من اجل عدم التورط مباشرة في مواجهة عالمية مع الولايات المتحدة وحلفائها تنفيذ عمليات دقيقة في ظروف مواتية وبشكل غير مباشر.
المصدر: مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (Csrgulf)
[1] Claire Parker and Rick Noack, Iran has invested in allies and proxies across the Middle East. Here’s where they stand after Soleimani’s death, The WashingtonPost, Jan. 3, 2020,https://www.washingtonpost.com/world/2020/01/03/iran-has-invested-allies-proxies-across-middle-east-heres-where-they-stand-after-soleimanis-death/
[2] Seth Frantzman, One False Move by Israel or Iran Will Lead to War, The National Interest, November 26, 2019, https://www.meforum.org/59982/one-false-move-by-israel-or-iran-leads-to-war
[3] SETH J. FRANTZMAN,Yemen drones, Iraq airstrikes, the IRGC plan to attack Israel – analysis, Jpost, AUGUST 25, 2019, https://www.jpost.com/Middle-East/Yemen-drones-Iraq-airstrikes-the-IRGC-plan-to-attack-Israel-analysis-599676
[4] Spotlight: Lebanese border residents fear new confrontation with Israel after U.S. killing of Iranian commander, 7 jan 2020, http://www.xinhuanet.com/english/2020-01/07/c_138685870.htm
[5] Michael Knights, Iran’s Expanding Militia Army in Iraq, with Suzanne Raine, Former Head, U.K. Joint Terrorism Analysis Centre, Combatting Terrorism Center, OBJECTIVE · RELEVANT · RIGOROUS | AUGUST 2019 · VOLUME 12, ISSUE 7, https://ctc.usma.edu/app/uploads/2019/08/CTC-SENTINEL-072019.pdf
[6] Michael Knights, Iran’s Expanding Militia Army in Iraq, with Suzanne Raine, Former Head, U.K. Joint Terrorism Analysis Centre, Combatting Terrorism Center, OBJECTIVE · RELEVANT · RIGOROUS | AUGUST 2019 · VOLUME 12, ISSUE 7, https://ctc.usma.edu/app/uploads/2019/08/CTC-SENTINEL-072019.pdf
[7] Michael Knights, Iran’s Expanding Militia Army in Iraq, with Suzanne Raine, Former Head, U.K. Joint Terrorism Analysis Centre, Combatting Terrorism Center, OBJECTIVE · RELEVANT · RIGOROUS | AUGUST 2019 · VOLUME 12, ISSUE 7, https://ctc.usma.edu/app/uploads/2019/08/CTC-SENTINEL-072019.pdf