د. باسم عثمان
كاتب وباحث مشارك
في الوقت الذي أعلن فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تفاصيل “صفقته” الشرق أوسطية، التي اشتهرت باسم “صفقة القرن”، يطرح المحللون تساؤلا كبيرا، حول ردة فعل الجانب الفلسطيني بشكل عام، والسلطة الفلسطينية على وجه الخصوص، في حال مضى ترامب مع حكومة اليمين الاسرائيلي، في فرض “صفقته” من جانب واحد، بمعزل عن الرفض الفلسطيني لها.
ردود فلسطينية “غاضبة”
فجر إعلان الرئيس الأمريكي، عزمه الإعلان عن “صفقة القرن”، تم الإعلان عن ردود فعل غاضبة من العديد من الأطراف الفلسطينية، حيث اعتبرت حركة فتح ” أن ترامب استخدم الصفقة، في إطار دعمه لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في الانتخابات الإسرائيلية، التي ستجري في آذار/مارس القادم”، في حين وصف صائب عريقات، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الصفقة الأمريكية ب “احتيال القرن”، من جانبها اعتبرت حماس في غزة، أن صفقة القرن تمثل ” استهدافا للوجود الفلسطيني… وأن كل هذه المخططات لتصفية القضية الفلسطينية”, هذا هو حال النظام الرسمي الفلسطيني بشقيه السياسي.
ترامب ونتنياهو
في حين وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، صفقة القرن بأنها “عظيمة وستنجح”، وأضاف “يقولون إن هذه هي الأصعب من بين جميع الصفقات، وأنا أحب القيام بصفقات”، وصف رئيس الحكومة “الإسرائيلية”، نتانياهو، الخطة حتى قبل مغادرته لواشنطن، بأنها “فرصة تحدث لمرة واحدة في التاريخ”، وأضاف: “إن فرصة مثل هذه تحدث مرة واحدة في التاريخ ولا يجوز تفويتها”.
خيارات الفلسطينيين
يعتبر العديد من الشخصيات الفلسطينية، الاكاديمية والسياسية منها، أن ترامب يمضي قدما في “صفقته” بدعم وموافقة إسرائيلية، مستفيدا من استمرار بقية العوامل الأخرى المؤثرة على ما هي عليه، إقليمياً ودولياً، غير ملتفت لمعارضة الفلسطينيين، حتى أنه لم يدع أياً من الأطراف الفلسطينية للاطلاع على تفاصيل الصفقة. وفي ظل هذه الحالة، على الأطراف الفلسطينية، والتي يستهويها البريق الإعلامي، أن تتحدث عن خيارات وطنية وسياسية مختلفة بالميدان وليس على منابر الاعلام، وأن تدفن الى الأبد رهانها على خيارها الوحيد المهزوم أصلاً، خيار المفاوضات، كونها ترى أن ما يطرحه ترامب في “صفقته”، هو تصفية للقضية الفلسطينية.
وفي ظل الرفض الفلسطيني “الرسمي” للصفقة الأمريكية، والتي يرون أنها ستدفن حلّ الدولتين للأبد، وتشرعن الاستيطان والضم الزاحف للأراضي الفلسطينية، وتنطوي على التنازل عن القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية، يطرح مراقبون السؤال التالي: ما هي الخيارات المتاحة أمام الفلسطينيين والسلطة الفلسطينية، والتي لا تؤدي بها فقط إلى مجرد الرفض الاعلامي، و”جوقة” اللطم والندب والاستجداء والرهان على الاخر؟!، في وقت يمضي فيه تطبيق “الصفقة” على الأرض، وفي الوقت الذي يغتالون فيه كل عناصر القوة الفلسطينية الداخلي، لحساب خياراتهم العقيمة وافلاسهم السياسي، وامتيازات صراعهم السلطوي على حساب الأرض والقضية والحقوق.
إن إعلان “صفقة القرن” والشروع في ضم أجراء من الضفة الفلسطينية يسدل الستار عملياً على الرؤية السياسية لمحمود عباس، الذي ارتكز على شعاره المعروف “البديل عن المفاوضات هو المفاوضات” !!!.
وبناء على المستجدات الجارية، هل يتجه عباس في ظل هذه الأوضاع إلى إدراك مخزون القوة الفلسطينية بتفعيل القرارات الصادرة عن المجلسين (الوطني والمركزي)، وتحديدا فيما يتعلق بالتنسيق الأمني المشترك، وسحب الاعتراف بدولة الاحتلال، وإعلان الانتهاء من المرحلة الانتقالية وتجلياتها السياسية؟!!.
الخيار الفلسطيني الوحيد
من أجل افشال سياسة الضم والاستيطان الإسرائيلية وصفقة القرن المزعومة، رغم المضي قدماً في تطبيقاتها العملية، لا بد من اتخاذ خطوات فلسطينية فورية تبدأ بالاستعداد الفعلي لتغيير كامل المسارات السياسية والدبلوماسية والجماهيرية:
– اعلان دولة فلسطين على كل الأراضي الفلسطينية المحتلة وعاصمتها القدس، ودعوة المجتمع الدولي لتحمل كامل مسؤولياته القانونية تجاه الشعب الفلسطيني واراضيه المحتلة بالقوة.
– التمسك بهدف انهاء الاحتلال, وطلب توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني وممتلكاته تحت الاحتلال, وتوفير شروط الصمود والمواجهة والمقاومة للشعب الفلسطيني فوق ارضه.
– دعم المقاومات الشعبية الفلسطينية نحوعصيان وطني شامل يعم كل الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس المحتلة.
– دعوة المجتمع الدولي للتحضير لمؤتمر دولي كامل الصلاحيات وعلى أساس القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية.
– كل الخطوات السياسية والجماهيرية السابقة تختصر بقرار سياسي رسمي وحيد للسلطة الفلسطينية: بتفعيل قرارات وتوصيات المجلسين (الوطني والمركزي).
على صعيد آخر، قد يفتح الهروب من مواجهة معركة الضم للأراضي الفلسطينية، احدى تطبيقات صفقة القرن، تحت أي ذريعة كانت، شهية الاحتلال بالمضي قدما نحو تكريس أهدافه التوسعية الاستيطانية. كما أن تجاهل خطر صفقة القرن (صفقة ترامب ـ نتنياهو) أو استنكارها، أو إدانتها، أو الإستخفاف بها، لا يشكل رداً وطنيا مقاوما يرتقي إلى مستوى الحدث، بل يشكل في حد ذاته تهرباً من واجبات البحث في أسس وآليات وأدوات المجابهة الضرورية لإفشال الصفقة، وإفشال مشروع “إسرائيل الكبرى”، وصون الشروط اللازمة لضمان نجاح المشروع الوطني الفلسطيني.
إن مواجهة سياسات الأمر الواقع للاحتلال، هو في التكامل في خط المواجهة واستراتيجيتها: الاشتباك في الميدان ضد الاحتلال والاستيطان، ودعوة الأطراف الدولية الى تحمل مسؤوليتها تجاه الشعب الفلسطيني وحمايته.