-
الكويت ستستمر في تحقيق فوائض مالية من مبيعات النفط وايرادات الاستثمارات الخارجية
-
أعباء الانفاق على الرواتب والصحة والتأمين الصحي الأكثر استنزافا للموازنة في المستقبل
-
حدة المخاوف المتعلقة بموارد أجيال المستقبل تقلصت على المدى المتوسط
-
ثقافة التعويل على الدولة في مصدر الدخل سيبقى مهيمناً
-
تحديات جودة البيئة أكثر مصادر القلق
-
ثقافة العمل عند الكويتيين لن تشهد تحولا على المدى المتوسط
-
التحول في الطاقة العالمية مؤجل بفعل رغبة القوى العظمى في الاستثمار في النفط في المرحلة المقبلة
الكويت، 24 نوفمبر 2019 (csrgulf): يبقى الكويتيون خلال العشر سنوات المقبلة والى نحو أكثر من أربعين عاما آخر، يعيشون حالة “رفاه”، في ظل نمو ديمغرافي ضعيف، مع توقعات باستمرار ازدهار النفط السلعة الاكثر رواجاً عالمياً على المدى القريب والمتوسط، فضلا عن زيادة احتمال نمو مستقبلي لإيرادات الاستثمارات الكويتية الخارجية والداخلية بالإضافة الى توقع تعزز ايرادات الكويت غير النفطية بعد اكتمال انجاز المشاريع الضخمة المتوقعة ضمن رؤية الكويت الجديدة.
وحسب رصد لمركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf) فإنه على عكس التحذيرات المحلية أو الدولية سواء من تقلبات أسعار النفط (شريان الحياة في الكويت) أو من تأثير تراجع ايراداته على حياة الكويتيين، وفي ظل نمو سكاني بطيء قد يصل بتعداد الكويتيين إلى نحو 1.7 مليون نسمة فقط بحلول عام 2030[1]، وأكثر بقليل من مليونين في عام 2050[2]، تزيد احتمالات توقع نظرة ايجابية لمستقبل رفاه الكويتيين على المدى القريب والمتوسط.
وقد ظهرت توقعات حاسمة ببقاء النفط سلعة رائجة في العالم خلال فترة 15 عاما[3] المقبلة على الأقل وقد تمتد لأكثر من أربعين عاماً وبأسعار تصل الى ما فوق 100 دولار للبرميل[4] في 2050، وبالتالي تقلصت توقعات تأثر عائدات النفط للدول المنتجة مثل الكويت، فضلاً عن توقعات بزيادة نمو ايرادات الاستثمارات الخارجية والداخلية الكويتية في المدى المتوسط[5]. الأمر الذي يدعو الى تقلص المخاوف من احتمال زيادة الضغوط الاقتصادية على الكويت على المديين القريب أو المتوسط. وبالتالي تراجعت حدة درجة القلق حول مستقبل وضع الرفاه في البلاد مع توقع استقرار نمو دخل الفرد من الناتج الاجمالي المحلي.
توقعات برواج النفط وتعزز ايراداته وزيادة قدرته على التوظيف
خلافاً لتحذيرات سابقة حول جدية المخاوف من تراجع أسعار النفط والطلب عليه، بسبب احتمال انكماش اقتصادي عالمي على المدى المتوسط وزيادة الاقبال على استهلاك الطاقة المتجددة بديلاً عن النفط، ظهرت توقعات صححت النظرة المستقبلية لتطور أسعار النفط بأأشكل حاسم، وأعلنتها ضمنيا مؤسسات بحث وتحليل أمريكية مرموقة[6] أكدت استمرار النفط سلعة رائجة في الأسواق العالمية على المديين القريب والمتوسط، وهي سلعة يبدو أن القوى العظمى (أمريكا، روسيا والصين) ارتضت أن تستثمر في انتاجها وبيعها في المستقبل على حساب ابطاء مرحلة التحول نحو الاستثمار في الطاقات المتجددة[7]، خاصة بعد ترقب الأسواق العالمية دخول الولايات المتحدة في 2022[8] كمُصدر جديد للنفط، مستغنية عن الاستيراد ومحققة اكتفاء ذاتياً. يضاف الى ذلك الدخول المحتمل للصين على الرغم من أنها من كبار المستهلكين والمستوردين للنفط الى نادي كبار منتجي البترول بداية من 2020 وسيصل انتاجها في 2030 الى نحو 5.5 ملايين برميل نفط يوميا[9].
ونظرا لرغبة القوى العظمى في بقاء النفط مزدهرا سيوفر القطاع النفطي في الدول المنتجة للبترول بما فيها الكويت نحو 29 مليون وظيفة[10] في عام 2030 و2050. وهو ما يدل على زيادة قدرة القطاع النفطي على استقطاب اليد العاملة الكويتية في المستقبل، وهو ما سيدعم تقليص شبح البطالة.
ويبدو أن الولايات المتحدة وظفت مؤسسات البحث والرصد والتوقعات والتثمين والتي تتحكم باتجاهات أسعار بورصة النفط من أجل تعزيز التوقعات حول الاستثمار النفطي تمهيدا لدخول أميركا السوق النفطية من بابها الكبير كمصدر منافسة بذلك روسيا والسعودية كبار المنتجين في العالم.
ومن المنتظر أن يستمر العالم في استهلاك النفط بشراهة طيلة العقود الثلاثة أو أكثر حتى تبدأ بعض حقول النفط في العالم في النضوب. ويقود هذا الاستهلاك كل من الصين والهند بالإضافة الى دول آسيوية وأفريقية ستكون ضمن الاقتصادات النامية بوتيرة سريعة والمعتمدة على الطاقة الأحفورية. ويبدو أن القوى العظمى لن تلتزم بشكل جدي باتفاقية المناخ التي تفرض زيادة سرعة تقليص الاعتماد على النفط مقابل الطاقة المتجددة لإنقاذ الكون من تغيرات مناخية خطيرة قد تجعل بعض المناطق في العالم غير قابلة للحياة.
لكن ما يخيف الكويتيين والشعوب في العالم خاصة في منطقة الشرق الأوسط في عام 2030، هو خطر احتمالات زيادة تلوث البيئة بمخلفات الصناعة النفطية وغيرها، فضلاً عن زيادة احتمالات توسع تداعيات الاحتباس الحراري الذي يسبب تقلبات حادة في المناخ ومن المرجح أن تكون الكويت على خارطة التقلبات المناخية خاصة على مستوى توقع زيادة تلوث الهواء وارتفاع درجات الحرارة.
الحياة في 2030: مناخ أكثر حرارة بسبب الانبعاثات الغازية
يبدو أن المناخ سيكون قاسياً بعض الشيء بداية من عام 2030 في العالم بما في ذلك الكويت. ومن المرجح كذلك حدة الصراع بين المنظمات والدول والشركات من أجل الإبقاء على ارتفاع درجة الحرارة العالمية أقل من درجتين مئويتين لضمان مناخ قابل للحياة خاصة في الدول التي تشهد ارتفاعا لدرجات الحرارة كالكويت.
ولذلك تحتاج الطاقة المتجددة إلى زيادة مضاعفة سرعة الاستثمار فيها بنحو ستة مرات على الأقل مقارنة باليوم من أجل البدء في تحقيق الأهداف المنصوص عليها في اتفاق باريس[11]. وبالتالي يجب أن يزداد النمو في الطاقة المتجددة بشكل كبير. فالكويت والعالم بحاجة إلى الزيادة بشكل ملح للطاقة النظيفة. فحصة الطاقة المتجددة يجدر أن ترتفع من 19 في المئة في عام 2017 إلى الثلثين بحلول عام 2050. ومع ذلك، يجب أن يخضع نظام الطاقة العالمي لتحول عميق، من واحد يعتمد إلى حد كبير على الوقود الأحفوري إلى واحد يعزز الكفاءة ويستند على الطاقة المتجددة. مثل هذا التحول في الطاقة العالمية ينظر إليه انه مؤجل بفعل رغبة القوى العظمى في الاستثمار في النفط في المرحلة المقبلة.
توقعات بتقلص ضغوط الانفاق الحكومي
يرجح رصد المركز أن تتقلص ضغوط الانفاق الحكومي على البنى التحتية بعد انتهاء المشاريع الكبرى الجارية كشبكة الطرق والجسور والمطار الجديد والميناء. وهذا التقلص سيسهم في تعزيز اداء الاقتصاد وترشيد الانفاق وتعزيز الايرادات. كما سيستمر قطاع النفط المهيمن في دعم ايرادات الدولة مع توقعات تعزز أسعاره في المدى المتوسط، والزيادة التدريجية في حصة مبيعات النفط الكويتي في الاسواق العالمية تماشيا مع تعزز قدرتها الانتاجية.
وستمثل أعباء الانفاق على الرواتب والصحة والتأمين الصحي الأكثر استنزافا للموازنة، الا أن الكويت ستستمر في تحقيق فوائض مالية من مبيعات النفط وايرادات الاستثمارات الخارجية والايرادات المستقبلية للمشاريع الكبرى كمشروع الجزر المقرر أن يوفر دخلا بنحو 35 مليار دولار سنوياً، وبالتالي فان حدة المخاوف المتعلقة بأجيال المستقبل على المدى المتوسط تقلصت ما لم تحدث كوارث طبيعية او انسانية او عسكرية تضر بقطاع النفط او استثمارات الكويت في الخارج.
استمرار ثقافة الاقتصاد الريعي والتعويل على القطاع العام
على المدى المتوسط لا يبدو أن النفط سينضب من باطن الأرض وأعماق البحار خصوصاً في منطقة الخليج. لكن ما لم يحدث متغير كارثي يدفع الى هبوط أسعار النفط لمدة عشر سنوات متواصلة، سيتأخر احداث تحول جذري للاقتصاد الكويتي من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد ليبرالي لا مجال فيه للمواطن في المستقبل، إلا أن يتحول من مواطن مستهلك لنصيبه من الثروة إلى مواطن منتج يساهم في الثروة وتنمية البلاد. الا ان ذلك غير وارد في النظرة المستقبلية على المدى المتوسط.
وهنا تبرز أهمية ايجاد حافز حقيقي يدفع الى تغيير ثقافة الوظيفة لدى الفرد وقيام ثورة إدارية وتشريعية تجعل موازنة الكويت لا ترتبط بالنفط فقط بل بعوائد الاستثمار وانتاجية المواطن.
هذا التحول المرغوب في ثقافة المواطن الوظيفية وان كان مستبعدا على المدى القريب الا أنه حان التفكير فعليا في اصلاح اقتصادي يجدر تطبيقه بفاعلية في الوقت الحالي بدءا بإصلاح الإدارة في الدولة وسلوك وثقافة الفرد الاستهلاكية الحالية. فتغيير سلوك الفرد من ثقافة الاستهلاك إلى ثقافة الإنتاج أي ربط دخله بالإنتاجية قياساً بالدول المتقدمة يتطلب مرحلة مخاض تقدر بعشر سنوات يستقر فيها انخفاض أسعار النفط وهو سيناريو مستبعد في المدى المتوسط. اذ أن كل المؤشرات الاقتصادية والملاءات المالية الحالية تضمن استمرار حالة الرفاه للمواطن الكويتي في كل الحالات في المديين القريب أو المتوسط.
لكن تبرز تحديات حقيقية في تغيير ثقافة العمل عند الكويتيين. اذ أن الثورة الادارية المطلوبة في مؤسسات الدولة، وربط الوظيفة بالإنتاجية قد تخلق عند المواطن عدم الإحساس بالأمان الوظيفي ما يجعله يعوّل على الإنتاجية والكفاءة من أجل الاستمرار في وظيفته والترقي فيها. وفي ظل الشعور العام بعدم تقلص موارد النفط وتعزز ايرادات الاستثمارات الكويتية الخارجية، فيستبعد وجود حافز نفسي لدى الفرد بضرورة التفكير بالاجتهاد في وظيفته وإنتاج أفضل ما عنده والإبداع من أجل الأمان الوظيفي.
وتعتقد بعض مؤسسات البحث والدراسات مثل “شال” أن الكويت يمكن أن تستغني عن إيرادات النفط في سنوات قليلة بتعويل إيراداتها على العوائد المتأتية من صندوق الثروة السيادي الذي يبلغ نحو 600 مليار دولار.
في هذا الصدد أكثر ما دعت اليه بعض الدراسات هو تغيير جوهر التعليم ومناهجه من تعليم لنيل الشهادة إلى تعليم يركز على المهارات المهنية لاكتساب قدرة إنتاجية في مجالات خدماتية ومعلوماتية وصناعية تعطي للفرد إمكانية إنتاج عالية للقيمة المضافة. حيث قدر بعض الخبراء[12] أن عشرات الآلاف من الموظفين حالياً في الدولة يعيشون بطالة مقنعة من دون طاقة تشغيلية أو إنتاجية فيما لا يُحمّلهم المسؤولية بقدر تحميله المسؤولية للصلة المفقودة بين التعليم وسوق العمل، أي أن الكثيرين من خريجي الجامعات لا تمكنهم شهاداتهم من مهارة يحتاجها الاقتصاد الإنتاجي غير النفطي.
وما يزال كثيرون يعتقدون أنهم غير مجبرين على العمل في قطاعات إنتاجية لطالما وظائف الدولة متاحة. وقليلون من باتوا يختارون الاتجاه إلى قطاعات إنتاجية في القطاع الخاص عموماً من أجل العمل والبحث عن إنتاج قيمة مضافة. فنسبة الكويتيين في القطاع الخاص إلى اليوم وفق تقرير صندوق النقد الدولي يعتبر الأقل خليجيا. وحسب إحصاءات صندوق النقد الدولي تعتبر نسبة الكويتيين في القطاع الخاص أقل من 5 في المئة من إجمالي عمالة هذا القطاع، ففي نهاية العام 2014 بلغ عدد المواطنين في القطاع الخاص 91 ألفاً مقابل 1.87 مليون وافد. أي أنه من كل 100 عامل وموظف في القطاع الخاص هناك 5 مواطنين أو أقل.
وبذلك فإن ثقافة التعويل على الدولة في مصدر الدخل ما يزال مهيمناً بشكل كبير. وقد تبين الرفض الشعبي لبعض الخطط الإصلاحية التي قدمتها ورقة إصلاح الاقتصاد الكويتي وفق التوجهات التنموية للتقليص من التعويل على النفط كالخصخصة التي تعد رافد الاقتصاد الليبرالي، رافدا قد يعني استمرار الوعي الشعبي بالتمسك بالاستهلاك المريح لنصيب كل فرد في الثروة النفطية، لكن هذه الثروة غير مستقرة في المستقبل على المديين المتوسط والبعيد.
وبذلك من المستبعد حصول أي طفرة نوعية للتنمية غير النفطية في الوقت الحالي في ظل عدم تحقق إصلاح جوهري في جل المجالات أهمها التعليم والتكوين والتشريعات المعززة للانفتاح والمقلصة للبيروقراطية والداعمة للقطاع الخاص، فضلاً عن إصلاح الإدارة الكويتية وتقليص الحضور العائلي في مراكز القرار، كما أن ارتفاع النفط على المدى المتوسط والمرجح إلى سعر 70 أو 80 دولاراً سيدفع للتكاسل والتراجع عن المضي في الإصلاحات ووصف ذلك بأنانية الجيل الحالي على حساب الأجيال المقبلة.
وفيما يتعلق بتغيير سلوك الفرد الوظيفي من استهلاكي إلى إنتاجي فان المجتمع تعود على الاستهلاك بقناعة أن لديه حصة من الثروة وعليه أن ينفقها بأي طريقة أو في أي مجال. وتتعزز التوقعات بأن الثروة البشرية ستكون الرافد الحقيقي لتوفير الثروات المستقبلية للكويت.
المصدر : مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث “csrgulf”
[1] أنظر احصائيات توقعات اجمالي السكان حسب الجنسية والنوع للسنوات 2010-2050، مشروع “نافذة الكويت الديموغرافية”، معهد الكويت للأبحاث العلمية، https ://www.alanba.com.kw/ar/kuwait-news/332196/14-10-2012-
[2] المرجع نفسه
[3] Global Oil Supply and Demand Outlook to 2035 https://www.mckinsey.com/solutions/energy-insights/global-oil-supply-demand-outlook-to-2035
[4] KIMBERLY AMADEO, Oil Price Forecast 2019 – 2050, January 2019, The Balance, https://www.thebalance.com/oil-price-forecast-3306219
[5] Rapport économique 2017 Kuwait (Période couverte : mai 2017 — mai 2018), Département fédéral des affaires étrangères de suisse, https://www.s-ge.com/sites/default/files/cserver/publication/free/economic-report-kuwait-eda-2018-05.pdf
[6] أنظر Global oil Outlook مرجع سابق
[7] Global Energy Transformation Report, A Roadmap to 2050, IRENA, 2018 , p8 https://www.irena.org/-/media/Files/IRENA/Agency/Publication/2018/Apr/IRENA_Report_GET_2018.pdf
[8] أنظر Global oil Outlook مرجع سابق
[9] China International Analysis, U.S. Energy Information Administration (EIA), May 2015, p4, https://www.energy.gov/sites/prod/files/2016/04/f30/China_International_Analysis_US.pdf
[10] Global Energy Transformation Report, p13 مصدر سابق
[11] Global Energy Transformation Report, p8 مصدر سابق
[12] أنظرتصريح ميثم الشخص في دراسة الكويتيون في عصر ما بعد النفط، الراي