الكويت، 3 أكتوبر 2019(csrgulf): بإقرار مجلس الأمة الكويتي لأول مرة وخلافا لبقية دول الخليج قانون الأحوال الشخصية الجعفرية، كسبت المرأة الكويتية المتبعة للمذهب الجعفري الكثير من المزايا التي تحميها من التعرض للإكراه أو العنف وتحفظ حقوقها وكرامتها متزوجة أو مطلقة أو أرملة. وعلى عكس انتقادات دولية طالت دولا عربية طبقت قانون الأحوال الشخصية الجعفرية، لم تتعرض الكويت لأي انتقادات من أي منظمة دولية بعد سن القانون منذ نحو 3 أشهر، وهو ما يؤكد عدم تضارب القانون مع اتفاقيات حقوق الانسان الدولية التي صادقت عليها الكويت، حيث تضمن القانون على تأكيد صريح لعدم الاكراه على الزواج1 والتشديد على أصل القبول في عقد القران بين البالغين فقط وما تبقى هو استثناء، وبهذا التأكيد خصوصاً، تضمن المرأة الكويتية التي تتبع المذهب الجعفري حقها كاملاً في الاختيار غير متعرضة للإجبار، كما تضمن أيضاً حقوقها الزوجية أو عند الطلاق أو الإرث.
وحسب بحث أعده مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث(csrgulf) فان القانون المنظم للأحوال الشخصية الجعفرية في الكويت والذي واجه سابقاً قانون مماثل له في العراق انتقادات تمحورت بصفة خاصة حول مخاطر تكريس اجبار المرأة القاصر أو الطفلة على الزواج بالإكراه، تتعارض تماماً محتويات فصوله مع مبدأ الاكراه والاجبار والاجحاف. حيث برز القانون كمنظم لإجراءات الزواج بين الطائفة الشيعية الكويتية مع عدم التعارض مع الاتفاقيات الدولية التي أمضتها الكويت خصوصاً فيما يتعلق بضمان حقوق المرأة والطفل.
كما أن إقرار قانون الأحوال الشخصية الجعفرية لم يحمل أي تفرقة بين المواطنين بقدر ما نظم إجراءات الاحوال الشخصية بين طائفة كبيرة تتبع المذهب الجعفري من نسيج المجتمع الكويتي المتلاحم، وبالتالي اتى هذا القانون ليكون إضافة وليس انتقاصاً من حقوق المواطن الكويتي. وأتى القانون مراعياً للوحدة الوطنية التي عززت تماسك أطياف الشعب الكويتي الذي يتمسك بدولة القانون والمؤسسات. وأتى منسجماً مع القانون الكويتي للأحوال الشخصية في بعض مواده، على غرار المادة 18 من قانون الأحوال الشخصية الكويتي لعام 1984 التي تنص على أن عقد الزواج باطل عندما تتزوج المرأة المسلمة من رجل غير مسلم، أو يتزوج الرجل المسلم من امرأة ليست كتابية. وينص القانون أيضًا على بطلان الزواج بين مسلم ومسلم آخر يتخلى عن دينه2.
مكتسبات المرأة من القانون الجديد
حسب رصد مركز (csrgulf) للإجراءات التنظيمية لحقوق الأفراد والأحوال الشخصية في الخليج، فان الكويت تبقى متقدمة على بقية دول الخليج في الاعتراف بمختلف القوانين المنظمة للأحوال الشخصية للطوائف ومختلف أتباع المذاهب بدون تمييز. ومن شأن قانون الأحوال الشخصية الجعفرية أن يملأ الفراغ التشريعي في الدوائر القضائية الجعفرية بالمحاكم الكويتية. وبإجماع الطائفة الشيعية على هذا القانون تم استبعاد المسائل الخلافية في المذهب وفسّر في 520 مادة المسائل المتفق عليها لخدمة المواطنين من أبناء المذهب.
ولم يميز قانون الأحوال الشخصية الجعفرية المرأة بشكل سلبي، وأتت بنوده منسجمة أيضا مع خطة الكويت للتنمية للفترة 2019 / 2020، التي تنص على القضاء على التمييز ضد المرأة، بطريقة تتفق مع الشريعة، من خلال التحديثات في التشريعات. كما يشمل الحماية من العنف في الأسرة والمجتمع3. كما نص القانون على إطار قانوني للمساعدة في مكافحة التمييز ضد المرأة المتبعة للمذهب الجعفري. ويراعي القانون الذي أقره البرلمان على هامش من المساواة بين الجنسين. ويخضع تطبيق القانون لرقابة اللجان التشريعية المعنية بالمساواة بين الجنسين.
وخلافا للانتقادات التي قد تطال مسألة الاكراه على الزواج، فان القانون شمل مميزات كثيرة غير مجحفة لا للمرأة ولا للرجل فيما يتعلق بعقد الزواج. فاشترط على سبيل المثال الرشد والبلوغ في المتزوجين كقاعدة للزواج، لكن بقي استثناء تزويج منهم تحت سن البلوغ إذا أراد أبويهما ذلك وإذا توفرت مصلحة من ذلك حسب تفسيرات مواد القانون. كما أورد القانون عدم تحديد القدرة المالية سواء بالقلة أو الكثرة كشرط لتقدير المهر وجعل ذلك وفق رضا الطرفين. وركز القانون على عدم اكراه الزوجة سواء في شرط الزواج أو المعاشرة الزوجية. كما أتاحت المادة 59 من القانون للبالغ رجلا او امرأة تزويج نفسه دون اشتراط ولاية الاهل (الأب أو الجد)، لكن ربط زواج البالغة البكر باشتراط اذن الأب أو الجد حسب المادة 60. كما يوجب القانون النفقة للزوجة حتى لو كانت موسرة وبطلاقها توجب نفقتها حتى في حال نشوزها مادامت حاملا أو منجبة لأطفال4. واشترط القانون صحة ولاية الأب أو الجد في تزويج الأبناء باعتناق ولي الأمر للديانة الإسلامية وعدم الكفر أو الارتداد واشترط اللغة العربية في عقد الزواج، وهو ما يتوافق مع الشريعة الإسلامية.
وتجدر الإشارة الى توافق كبير بين أهداف القانون ومبادئ الدستور الكويتي. حيث كفل الدستور في المادة 35 حرية الاعتقاد واعتبرها من الحريات المطلقة التي لا يجوز تقييدها، كما كفل في ذات المادة حرية ممارسة الشعائر الدينية وفرض على الدولة حمايتها وقيدها بقيد مطابقة العادات المرعية وعدم الإخلال بالنظام العام والآداب. ويظهر جليا بأن الأحوال الشخصية هي جزء أصيل من الشعائر الدينية التي أوجب الدستور على الدولة حمايتها، فالنصوص الدينية تصف الزواج والوقف والوصية وغيرها بأنها عبادات، وبما أن ممارسة هذه الأحوال الشخصية وفق المذهب الجعفري كانت جارية قبل نشأة الدولة، بات لزاماً على الدولة تشريع قانون الأحوال الجعفرية صوناً لهذا الحق الدستوري5. وبممارسة هذا الحق لا يوجد تعارض مع مكاسب الكويت في حقوق الانسان التي تواجه تحديات ضخمة بسبب قضايا أخرى لعل أبرزها إشكالية عدم حسم وضع “البدون” وحقوقهم.
ففي حين أنه من المرجح تعزز رصيد الكويت في مسألة “حقوق الانسان” بتفعيل المرصد الوطني لحقوق الانسان هذا العام، يبقى تحدي عدم حسم ملف أقليات “البدون” هو التحدي المباشر والأهم الذي قد يُفقد رصيد الكويت الدولي في مجال مكتسبات “حقوق الانسان والأقليات” حسب تصنيف حديث لمؤشر الحريات حسب الدول والذي تعده منظمة “فريدم هاوس”6، ويمثل هذا التحدي أكثر المؤشرات المقلقة التي تؤثر على وضع الكويت المتقدم في مجال الحريات خليجياً، وضع لم يتأثر بإجراءات حديثة كإقرار قانون الأحوال الشخصية الجعفرية الذي راعى مكتسبات حقوق المرأة الكويتية بصفة خاصة.
المصدر: مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث(csrgulf)
1 أنظر نسخة قانون الأحوال الشخصية الجعفرية المصادق عليه في مجلس الأمة الكويتي، 2019، http://comm.kna.kw/sattachments/attachsub4_10_201794537AM_383662956.pdf
2 Law No. 51 of 1984, art. 18, al Kuwait al Youm (official gazette), vol. 1570, 23 July 1984, http://www.e.gov.kw/ Documents/Arabic/Forms/MOJ/قانون الأحوال الشخصية .pdf (in Arabic).
3 أنظر تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حول مؤشر المساواة في قوانين الأحوال الشخصية في الكويت، 2019، https://www.genderindex.org/wp-content/uploads/files/datasheets/2019/KW.pdf
4 أنظر نسخة قانون الأحوال الشخصية الجعفرية المصادق عليه في مجلس الأمة الكويتي، 2019، http://comm.kna.kw/sattachments/attachsub4_10_201794537AM_383662956.pdf
5 علي العريان، قانون دائرة الأحوال الجعفرية وقانون الأحوال الشخصية وفق المذهب الجعفري، ورقة بحث الثلاثاء، 25 ديسمبر 2012، https://alaryan110.blogspot.com/2012/12/blog-post_25.html
6 أنظر مؤشر فريدم هاوس لحقوق الانسان، تقرير 2018، https://freedomhouse.org/report/freedom-world-2018-table-country-scores