-
توقعات بتأثر رفاه الأسر وجودة معيشتهم وخاصة الأسر الضعيفة التي تواجه خطر الفقر
-
الأزمة الاقتصادية، وتعثر التحول السياسي والسخط الاجتماعي، تمثل صعوبات تهدد استقرار البلد
-
ارتفاع مديونية تونس الخارجية 4 مرات منذ اندلاع الربيع العربي الى 35.5 مليار دولار
الكويت، 5 سبتمبر 2019 (csrgulf): تواجه تونس خطر الغرق في ديون تضاعفت قيمتها بأكثر من أربع مرات خلال العشر سنوات الأخيرة -منذ اندلاع ثورة الربيع العربي-الى نحو أكثر من 102مليار دينار تونسي ما يعادل 35.5 مليار دولار. وسيؤثر تراكم الديون المستحقة قريبة الأجل سلبا وبصفة مباشرة على نوعية جودة ورفاه حياة التونسيين خاصة من أصحاب الدخل المحدود. اذ أنه من المتوقع ان تضطر الحكومة المنتخبة مستقبلاً لانتهاج مسار الحكومات السابقة في زيادة الضغوط الضريبية والاقتراض من اجل وقف نزيف العجز والمديونية والسيطرة على ارتفاع متوقع للإنفاق الحكومي لتلبية استحقاقات اجتماعية لترضية وقتية للناخبين.
ومن المرجح حسب دراسة لمخاطر تراكم الديون العامة والخارجية للبلاد التونسية التي أعدها مركز دراسات (csrgulf) فان ديون تونس الخارجية على الرغم من تراجعها الطفيف الا أن سرعة تراكمها قد تزيد بوتيرة أكبر انطلاقا من شهر سبتمبر الجاري تزامنا مع تنظيم الانتخابات وذلك بسبب توقع تراجع وتيرة فعالية الإنجاز الحكومي في ظل عمل جل مؤسسات الدولة تحت إدارات مؤقتة وتصريف أعمال.
وعلى الرغم من تحسن المردود السياحي وتصحيح طفيف لقيمة عملة الدينار أمام العملات الأجنبية الرئيسية، الا أن تونس التي تشهد انتخابات رئاسية مبكرة منتصف الشهر الجاري تليها انتخابات تشريعية تقدم على تحديات غير مسبوقة لم تواجه أي حكومة تونسية منذ الاستقلال في عام 1956. وتمثلت أهم التحديات المحدقة بتونس في زيادة سرعة تراكم الديون العامة والخارجية والتي تزحف تدريجيا من نحو 72 في المئة[1] الى أكثر منذ ذلك، وفي حال استمرار سرعة وتيرة الديون وبطء الإنتاج المحلي والتصدير مقابل زيادة المطالب الاجتماعية، فقد تغرق البلاد مع حلول العام المقبل في بحر من المديونيات المستحقة التي قد تتجاوز نحو 80 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد مع الربع الأول من 2020.
وفي ظل التعافي الاقتصادي المحدود والنمو البطيء في حدود 2.5 في المئة، تعتبر أغلب الإجراءات الحكومية لإنعاش الاقتصاد ذات فعالية محدودة على المستوى المتوسط ويمكن وصفها بالإجراءات المسكنة والوقتية حيث اعتمدت البلاد على تمويلات في شاكلة قروض للإنفاق على أغلب برامجها التنموية في الفترة الأخيرة التي كانت فاعليتها محدودة في امتصاص نسبة البطالة المتفاقمة ونسب التضخم التي تضاعفت مرتين منذ 2016[2]. وعلى إثر ذلك يرتفع سقف المخاوف من ارتفاع معدلات الفقر الى نسب مقلقة خصوصاً مع توقع دخول أكثر من 2 مليون تونسي (خمس الشعب) مرحلة الفقر المدقع إذا استمرت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية على حالها دون تدخل فاعل وناجع على المدى المتوسط والبعيد.
تسارع تراكم الديون
على مدار السنوات الماضية، زادت سرعة تراكم الديون بسبب تزايد عجز المالية العامة، وهو ما يرجع في الأساس إلى نمو فاتورة أجور القطاع العام. ويبلغ الدين العام والخارجي 71% من إجمالي الناتج المحلي حالياً و80% من إجمالي الناتج المحلي في نهاية 2017، على التوالي. ومستويات المديونية التي تصل إلى هذا الحجم تمثل تحدياً اقتصادياً كبيراً[3]. وقد ارتفعت مديونية البلاد خلال العشر سنوات الأخيرة بنحو أربع مرات من 29 ألف مليون دينار[4] في 2009 الى نحو أكثر من 102 ألف مليون دينار تونسي.
وعلى الرغم من بطء التعافي والتشديد التدريجي للسياسة العامة، لا تزال هناك مخاطر كبيرة. ويتمثل الخطر الرئيسي في زيادة الخلافات بين الفاعلين السياسيين في الدولة او المرشحين للانتخابات الرئاسية او التشريعية حول الإصلاحات الرئيسية بالنظر الى المناخ الاجتماعي والسياسي. وتبدو اصلاحات المالية العامة ومناخ الاستثمار ضرورية لدفع نمو القطاع الخاص. كما ستدخل الحكومة الجديدة عقب انتخاب رئيس وبرلمان في تحد مؤجل يتمثل في مطالب رفع أجور القطاع العام والخاص، مما سيؤثر على المالية العامة ويؤثر سلبا على الوضع المالي الهش بالنظر لنظام الاجور العامة وارتباط اجور التقاعد بالإيرادات.
وتقف تحديات كبرى أمام الحكومة المقبلة لعل أهمها استمرار التهديدات الأمنية وخصوصاً من حدود ليبيا، وبطء النمو في منطقة اليورو التي تستوعب معظم الصادرات التونسية، وارتفاع أسعار النفط العالمية، وتدهور معنويات المستثمرين تجاه الأسواق الناشئة، لا سيما في ظل ارتفاع عجز المعاملات التجارية على مدى المتوسط. وإذا تحقق أي من هذه المخاطر، من المرجح أن يتأثر رفاه الأسر على المستوى جودة المعيشة وخاصة الأسر الضعيفة التي تواجه خطر الفقر. ويعتبر نحو 17 في المئة من التونسيين أي حوالي 2 مليون تونسي معرضين للفقر المدقع وهم من يعشون دون 5.5 دولار يوميا على أساس تعادل القوة الشرائية[5].
وقد تراجعت مؤشرات جودة الحياة في تونس الى مراتب متأخرة. وكانت في مرتبة 68[6] من بين 80 بلدا في العالم تم قياس مؤشرات جودة الحياة فيها. وتم تنصيفها في 72 في جميع المؤشرات المرتبطة بجودة المعيشة.
وبصفتها مسقط رأس الربيع العربي وديمقراطيتها الوليدة الوحيدة، تمثل تونس انتصارًا مشجعًا غير مكتمل ضد الحكم الاستبدادي والتطرف العنيف. فاستمرار مسار الانتقال السلس نحو الديمقراطية يجعل تونس منذ ثورة 2011 شريكا ديمقراطيا قويا في منطقة مضطربة. ومع ذلك، لا تزال الأزمة الاقتصادية، وتعثر التحول السياسي والسخط الاجتماعي، تمثل صعوبات تهدد استقرار البلد[7].
العجز الكبير المزدوج والديون العالية
أدى تعزز المالية العامة من خلال موارد ضريبية جديدة وبدعم من صندوق النقد الدولي، إلى جانب التحسن في النشاط الاقتصادي، إلى انخفاض طفيف في العجز الحكومي في عام 2018. وقد ساهمت التدابير الضريبية الواردة في قانون المالية، إلى جانب تحسين الضرائب وجمع المتأخرات، في زيادة إيرادات الدولة، في حين أن الإنفاق الحالي كان أقل من المتوقع. وفي حين هدف قانون المالية لعام 2019 لتحديد العجز الحكومي عند 3.9 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي مع افتراض نمو بنسبة 3.1 ٪، لم تستطع الحكومة خلال نشاط 8 أشهر الأخيرة في 2019 من بلوغ الهدف. فمع تراجع نسبة النمو المرجو الى حدود 2.5 في المئة اتسع العجز التجاري التونسي لأكثر من 3.7 مليار دولار خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري، فيما يواصل عجز الموازنة ارتفاعه خلال النصف الأول من العام الجاري، وكان المعهد التونسي للإحصاء كشف عن تفاقم العجز التجاري مع نهاية شهر يوليو (تموز) الماضي ليتجاوز حدود 11 مليار دينار تونسي (نحو 3.7 مليار دولار)، مسجلًا بذلك زيادة لا تقل عن 11 في المائة، مقارنة مع السبعة أشهر الأولى من السنة الماضية.
ولاتزال حسابات تونس الخارجية في وضع مثير للقلق. اذ من المتوقع أن تواجه البلاد، وهي مستورد للنفط، ارتفاع أسعار الخام وارتفاع أسعار الواردات. ومع أن الزيادات في إيرادات السياحة والصادرات (الصناعات الكهربائية والميكانيكية) يجدر أن تقلل من عجز الحساب الجاري، إلا أن الحسابات الخارجية ستظل في وضع غير مستقر. فنسبة الدين الخارجي كبيرة وتقترب من 90 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. ومن المرجح أن تستمر المدفوعات على الدين الخارجي المستحق بالإضافة إلى مدفوعات خدمة الدين في الضغط على احتياطيات النقد الأجنبي. كما من المتوقع أن يعاود الدينار التونسي الى التعرض لضغط نزولي خلال الربع الاخير من العام الجاري، والذي سيكون له تأثير على عبء الديون الخارجية والتضخم. حيث يلتزم البنك المركزي التونسي بتوصيات صندوق النقد الدولي بمواصلة جعل سعر الصرف أكثر مرونة[8].
ومن المتوقع أن تؤدي النظرة الاقتصادية الأكثر إشراقًا وباللجوء الى توسيع القاعدة الضريبية إلى زيادة طفيفة في إيرادات الميزانية مع 2020، ولكن من المتوقع أن يكون الإنفاق أعلى من المتوقع، لأن عام 2019 هو عام الانتخابات. وفي هذا الصدد، من غير المرجح أن يتم تخفيض الدين العام.
المصدر: مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf)
[1] أنظر بيانات مؤسسة كوفاس، لعام 2019، https ://www.coface.com/Economic-Studies-and-Country-Risks/Tunisia
[2] أنظر بيانات مؤسسة كوفاس، المرجع نفسه
[3] أنظر بيانات صندوق النقد الدولي، ابريل 2018، أسئلة وأجوبة عن تونس، https://www.imf.org/ar/Countries/TUN/tunisia-qandas
[4] أنظر قاعدة بيانات tradingecomomics، https://tradingeconomics.com/tunisia/external-debt
[5] أنظر تقرير البنك الدولي لعام 2019 حول توقعات النمو بتونس، ابريل 2019، http://pubdocs.worldbank.org/en/474371554133860212/Tunisia-MEU-April-2019-ar.pdf
[6] انظر ترتيب منصة USNEWS، https://www.usnews.com/news/best-countries/tunisia
[7] The Current Situation in Tunisia, A USIP Fact Sheet, July 16, 2019, https://www.usip.org/publications/2019/07/current-situation-tunisia
[8]أنظر تقرير مؤسسة كوفاس، لعام 2019، https://www.coface.com/Economic-Studies-and-Country-Risks/Tunisia