الكويت، 22 يوليو 2019 (csrgulf): يبدو أن لا سلطة فوق سلطة الحرس الثوري اليوم في إيران. اذ تظهر الأحداث الأخيرة زيادة تحركات الحرس وقيامه بأعمال استفزازية مقصودة تستهدف الدول الغربية والإقليمية، وهي تحركات تبعث بمخاوف من زيادة احتمالات تهديدات بعمل عسكري ضد طهران سرعان ما يرد عليها متحدثون باسم الحرس مؤكدين قدرتهم على الرد على أي عمل عدائي ومستعرضين امتلاكهم لقدرات هجومية أكثر منها دفاعية تدفع الغرب الى إعادة حساباته. وخلال الأشهر الأخيرة من الشد والجذب، برز رجال الحرس أكثر من الرجال السياسة الإيرانيين ليروجوا لأنفسهم كونهم رجال عسكر وسياسة فوق العادة في تلميح صريح لرغبة دفينة في زيادة نفوذ الحرس في القرار السياسي وقيادة دفة مستقبل النظام الإيراني.
وحسب تحليل لمركز الخليج العربي للدراسات والبحوث، يبدو أن لا مفاوضات قد تحدث بين إيران مستقبلا مع العالم الغربي أو الإقليمي الا بشروط الحرس. فتحركاته غير المسبوقة والتي تتجاهل الخطوط الحمر كما حذرت بريطانيا من ذلك هي تدابير تبعث برسائل للداخل الإيراني ومنطقة الخليج موجهة أكثر منها الى العالم الخارجي ومفادها تأكيد نمو سلطة الحرس وقدرته على إدارة مصالح إيران والمناورة مع الغرب وصولا الى احتمال الكشف عن نواياه في زيادة سيطرته وانفراده بالسلطة والقرار السياسي الإيراني ردا على تحركات المعارضة الإيرانية وتحجيما لنمو دور الإصلاحيين في السلطة، ودليلا على استعداد الحرس لإدارة تغيير محتمل في النظام برحيل المرشد مستقبلا تتحسب منه واشنطن وحلفائها.
استعراض القوة جوا وبحر وبرا، على الأرجح أن جناحاً في الحرس يريده بشدة ويدعمه تنفيذا لمخطط استراتيجية تحول إيران الى قوة عالمية، وهي استراتيجية يتحفظ عليها الإصلاحيون بسبب تمسكهم برؤيتهم بان إيران غير مستعدة لهذا التحول، ويدعمون بداية من الرئيس الحالي حسن روحاني التركيز أكثر على اصلاح الأوضاع الاقتصادية ودعم الجبهة الداخلية والاستقرار السياسي.
لكن قد تكون الحالة الصحية للمرشد علي خامنئي والتي تتكتم إيران عن الإفصاح عن مستجداتها، هي من تسرع تحركات الحرس واستغلال التصعيد الأمريكي ضد طهران وتحويله الى مبرر قوي لزيادة حضور الحرس في السلطة سعياً الى الانفراد بالقرار والتأثير على المفاوضات وشكل التحالفات الإيرانية الحالية. فإيران حسب فلسفة الحرس الثوري يجدر أن تنال الاحترام كقوة عسكرية يجدر التعامل معها على هذا الأساس. وهذا ما تتوجس منه واشنطن وحلفائها. هواجس على الأرجح أنها هي من استدعت واشنطن الى زيادة تعزيز قدراتها الاستخباراتية والعسكرية في منطقة الخليج بالتعاون مع حلفائها من أجل التأهب لكل الاحتمالات الممكنة.
فتصعيد النشاط الاستفزازي للحرس الثوري سواء في المياه الدولية أو في مضيق هرمز قد يتزايد مستقبلا. وهو ما قد يقود الى خيارين أولهما اقتناع القوى الدولية وحلفائها في المنطقة بقوة إيران والتفاوض معها على هذا الأساس لتحصل طهران على مكاسب أكبر حتى من مكاسبها في الاتفاق النووي السابق المبرم في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك اوباما. أما الخيار الثاني فقد يكون عسكرياً بتوجيه ضربة مفاجئة تقلص من سطوة الحرس الثوري خصوصاً على مستوى زيادة تدخله في مصادرة الحركة التجارية الدولية وتهديد عبور السفن في مضيق هرمز.
وفي ظل استمرار التوترات في الخليج على مستوى زيادة مخاطر التجارة والملاحة عبر مضيق هرمز، كان قد خلص رئيس وكالة الاستخبارات العسكرية، الفريق روبرت آشلي، إلى أن إيران لا تريد أن تبدأ حربا مع الولايات المتحدة أو حلفائها. لكن هذه التصريحات قد تكون مضللة. حيث انتهزها وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف ليصرح انه على استعداد للتحدث مع أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي حول صفقة جديدة لتجنب المزيد من الصراع.
وبدت استفزازات إيران المعلنة تجاه بسط السيطرة على مضيق هرمز غير عبثية ولكن على ما يبدو أن الحرس الثوري الإيراني يدير عمليات حرب بيضاء توازيا مع حرب نفسية لدفع القوى العالمية لاحترام قوة الجمهورية كقوة إقليمية والتفاوض معها على هذا الأساس سعياً لتحصيل مكاسب أكبر ضمن مفاوضات مستقبلية يتم التشاور بشأنها بين واشنطن وحلفائها بشكل غير علني وقد يعلن عن موعدها وشروطها نهاية العام الجاري.
وفي الوقت نفسه، تعد الولايات المتحدة بفرض عقوبات قاسية على النظام، وتشجع حلفائها الأوروبيين على فعل الشيء نفسه. لكن إيران يبدو في عهد الحرس الثوري ماضية في استراتيجيتها. حيث زادت المخاوف من أن إيران قد تواجه الاستيلاء السياسي الكامل من قبل الحرس الثوري.[1] كما عزز الحرس نشاطه المتزايد في الشرق الأوسط على الرغم من الجهود الأمريكية وحلفائها لإضعاف اقتصاد إيران وعزل طهران سياسيا[2].
وكأقصى الاحتمالات يبدو أن ضربة عسكرية مفاجئة وخاطفة تدبر في الخفاء لتحجيم زيادة جرأة إيران الساعية لفرض نفسها كقوة إقليمية لكسب احترام القوى العظمى لها. لكن يبدو أن هناك إدراك متنامي بين ساسة وعسكر إيران أن فلسفة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للأزمات الخارجية مختلفة عن سابقيه، حيث بدى أن الرئيس الأمريكي يحترم أعدائه أكثر من أصدقائه، ولعل انفتاحه على علاقات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وزعيم كوريا الشمالية يعتبر أكبر دليل على ذلك في مقابل اهماله لتعزيز علاقات واشنطن بأصدقائها الأوربيين في حلف الناتو. فبقدر اظهار الحرس الثوري لعدواته لواشنطن واستعراضه لقدراته، تتغير بيانات المسؤولين الأمريكيين والغربيين الداعين الى التفاوض مع إيران واستبعاد أي عمل عدائي ضدها.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب صرح في مقابلة مع فوكس نيوز أنه لا يريد خوض حرب مع إيران. ورد عليه لاحقا رئيس الحرس الثوري الإيراني ان أعداء إيران يخشون الحرب معها. حيث قال قائد قوات حرس الثورة الإسلامية الإيراني اللواء حسين سلامي إن قوة الردع الإيرانية وصلت إلى مستوى رفيع أدى إلى خوف الأعداء وجعلهم يخشون القيام بأي عمل عسكري[3].
وعلى صعيد آخر، ليس من المستعبد أن يقدم الحرس أحد رجالاته في المنافسة الانتخابية المقبلة لرئاسة إيران، وهذا من اجل زيادة كسب شرعية سياسية داخلية والسيطرة الشاملة على السلطة.
المصدر: فريق مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf)
[1] Babak Taghvaee, Iran May Be Facing Full Political Takeover by Revolutionary Guard Corps, The Global Post, June 26, 2018, https://theglobepost.com/2018/06/26/iran-protest-revolutionary-guard-corps/
[2] Steth D Jones, War by Proxy: Iran’s Growing Footprint in the Middle East, CSIS Briefs, March 11, 2019, https://www.csis.org/war-by-proxy
[3] أنظر تصريحات قائد الحرس الثوري الإيراني على وكالة أنباء تسنيم، https://www.tasnimnews.com/en/news/2019/07/03/2045876/irgc-chief-enemies-fearful-of-war-with-iran