-
مساعي الأمير تؤسس لعلاقات هي الأفضل في تاريخ الكويت والعراق وتجنب أجيال المستقبل أي توتر بين البلدين مجدداً
-
استمرار نمو التبادل التجاري وميله لصالح الكويت
-
سياسة “التسامح والاستثمار في السلام” الكويتية خففت من توتر الخلافات مع العراق في وقت قياسي
-
المخاوف الشعبية في كلا البلدين تتبدد تدريجياً بفعل تعزز مناخ الثقة
-
التقارب مع العراق يدعم رؤية الكويت 2030 وأجيال المستقبل
-
الكويت تثبت حسن النوايا والعراق جدير بالثقة
-
الاستقرار الداخلي والامن والملاحة أهم تحديات التقارب بين البلدين
الكويت، 7 يوليو 2019(csrgulf)، |الملخص|: نجحت حكومتا الكويت والعراق، بعد جهود ديبلوماسية متصاعدة على امتداد العقد الماضي، تتوجت بزيارة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الأخيرة الى العراق، في رسم خارطة طريق لمستقبل علاقات قد تكون الأفضل على الاطلاق في تاريخ البلدين الجارين. الخارطة التي اتسمت باستثمار قيادة الكويت في “السلام بعيد المدى” تؤسس لعلاقات أفضل حتى من علاقات ما قبل الغزو. وقد تكون أجيال مستقبل البلدين الأكثر استفادة على الاطلاق من المسار الحالي للتعاون بين الجارين والانفتاح الهادئ على تعزز المصالح المشتركة. ويبدو أن مساعي الأمير اليوم قد تجنب أجيال المستقبل في الكويت أغلب احتمالات عودة أي توتر مع العراق مجدداً، خصوصاً بعد مضي البلدين في اقتلاع جذور أي خلافات أو مشكلة من شأنها توتير العلاقات على المدى المتوسط والبعيد.
وقد قدمت الكويت مؤشرات عديدة خلال العقد الماضي أثبتت حسن نواياها تجاه مستقبل العلاقات مع العراق الذي برهن بدوره من خلال حكوماته المتعاقبة على رغبة شديدة في كسب ثقة الكويت ودول المنطقة والعالم العربي والدولي.
وحسب بحث تحليلي قام به مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf) لمستقبل علاقات البلدين، فان مؤشر الثقة بين الكويت والعراق يعتبر الأفضل منذ مرحلة ما قبل الغزو أي منذ 30 عاماً. وقد مكّن تعزز مؤشر الثقة من تحفيز وتيرة التقارب والتفاهم بين البلدين أكثر من أي وقت مضى. هذا التقارب الكويتي العراقي المتسارع مثلما يحمل آفاقاً واعدة يتضمن بعض التحديات أيضاً.
فبالنسبة للكويت قد يكون استمرار المسار الديمقراطي العراقي والتزام حكوماته بالمواثيق الدولية والحياد والتمسك بالمصلحة المشتركة للشعبين هو الضمان الوحيد الكفيل بتعزيز مناخ الثقة بين البلدين والذي من شأنه جعل نتائج التقارب إيجابية.
وتتلخص أهم احتمالات ايجابيات نتائج التقارب الكويتي العراقي في دعم رؤية الكويت التنموية المستقبلية 2030. وان اختلفت توقعات أشكال الدعم لهذه الرؤية بفضل استمرار التقارب بين البلدين، يبرز تعزز عامل الأمن وحسن الجوار بين الكويت والعراق كأحد أهم العوامل الأساسية لنجاح مشروعات الكويت المستقبلية القائمة في جزء كبير منها على جذب الاستثمار الأجنبي المرتبط بشكل مباشر بمؤشر الاستقرار والسلام. وهذا ما يحفز الكويت لكسب العراق كجار وحليف في الأمن والازدهار المستقبلي لشعبي البلدين.
ومع ضمان عامل الاستقرار والأمن على المدى البعيد، يعتبر ترسيخ العلاقات بين البلدين على أساس المصالح المشتركة داعماً ثانياً لنجاح خطة الكويت التنموية حتى لا تصطدم بخلافات أبرزها الخلافات الحدودية التي تحرص حكومتا البلدين على حسمها نهائياً، وبصفة خاصة الحدود البحرية. فعلى سبيل المثال، نجاح مشروع ميناء مبارك المبارك الكبير، الذي سيكون شريان تجارياً ملاحياً ضخماً للكويت في المستقبل، يتوقف على مدى التزام الحكومة العراقية باتفاقية خور عبد الله.
وعلى صعيد متصل، من المرجح أن فضاء السلام الذي يتأسس بين الكويت والعراق من شأنه أن يحفز نمو الاستثمارات المشتركة بين البلدين ويدعم خططهما التنموية مع الاستفادة من امكاناتهما الطبيعية والبشرية الكبيرة. وفي هذا الصدد، تزيد التوقعات بطفرة في النمو المستقبلي لحجم السوق الكويتية، وكذلك العراقية بصفة خاصة، الأمر الذي من شأنه تعزيز حجم التبادل التجاري والذي يميل اليوم لصالح الكويت.
وبفضل رؤية الاستثمار في السلام التي تنتهجها الكويت ومبادرات أميرها الإنسانية لدعم الشعب العراقي بجميع أطيافه دون التحيز لأي طرف، تحسّن مؤشر الثقة المشتركة بين الحكومتين الكويتية والعراقية، وباتت المخاوف الشعبية في كلا البلدين تتبدد تدريجياً حول مستقبل الاستقرار بعد أن أثبتت الحكومتين الكويتية والعراقية حسن النوايا والجدية في حسم جميع مخلفات الغزو وطي صفحة الماضي.
وقد مكنت “سياسة التسامح والاستثمار في السلام” التي تتمسك بها الكويت في سياستها الخارجية من تهدئة توتر الخلافات مع العراق في وقت قياسي، كما شجعت العراق في المقابل -الذي شهد أزمات متتالية خلال العقد الماضي-على التشبث أيضاً بخيار حسن الجوار وصنع مستقبل مبني على التآخي ومصلحة الشعبين.
وقد تبلورت مؤشرات بناء جسور الثقة وحسن الجوار بشكل سريع خلال العقد الماضي، وشهدت أوجها بصفة خاصة خلال الخمس سنوات الأخيرة بشكل تصاعدي. وبدأ البلدان في ملامسة النتائج الإيجابية لعامل تحسن الثقة على المستويين الإنساني والاقتصادي. وستتضح الإيجابيات أكثر على المدى المتوسط والبعيد. فمسار تحسن العلاقات تعزز بوتيرة أسرع من أي مسار لعودة علاقات بين دولتين شهدتا خصومة وحرباً في الماضي. اذ سجلت السنوات الأخيرة أكبر معدل لتبادل الزيارات الرسمية والشعبية بين مسؤولي البلدين أفرزت اتفاقيات كبيرة في ظل تفاهم يرنو لبناء مستقبل مزدهر.
وحسب دراسة بعض الاحصائيات، من المتوقع أن يصبح العراق من بين كبار شركاء الكويت التجاريين على المدى القريب والمتوسط، وخصوصاً على مستوى التجارة غير النفطية. اذ مكّنت سياسات الكويت تجاه العراق من تعزز التبادل التجاري بين البلدين الذي قفز في فترات مختلفة بواقع 300 في المئة. فصادرات الكويت الى العراق قفزت على سبيل المثال من نحو 230 مليون دولار الى نحو 464 مليون دولار في 2017 حسب احصائيات الأمم المتحدة. وحسب أرقام وزارة الصناعة والتجارة الكويتية سجلت الواردات العراقية من الكويت نموا ملحوظاً بلغ نحو أكثر من 40 مليون دينار بين 2015 و2016، وأتت العراق ثاني أكبر مستورد للسلع الكويتية. ورغم التراجع في حجم التبادل التجاري العام الماضي تبقى فرص تعززه في المستقبل القريب كبيرة ومرتبطة بمستوى وتيرة التقارب السياسي والمصلحي بين حكومتي ومؤسسات البلدين.
لكن ما يثير القلق حول تحديات التحسن المستمر في العلاقات الكويتية العراقية هو احتمال حدوث صراعات إقليمية جديدة في المنطقة بين الولايات المتحدة وإيران بصفة خاصة والتي قد تؤثر بشكل أو بآخر على مسار التقارب الكويتي العراقي. الا أن مثل هذه الهواجس تسعى قيادات البلدين الى استباقها من خلال التوافق على الحياد والنأي بالنفس عن الدخول في صراعات إقليمية. وهذا ما قد يخفف من المخاوف المتعلقة بتداعيات سيناريوهات التصعيد الأمريكي الإيراني. الى ذلك تنضاف بعض التحديات التي يسعى البلدان لحلّها تتعلق خصوصاً بمستقبل الحدود البحرية والملاحة والتي بدورها تم حسمها أيضا خلال اتفاقيات اللجان الوزارية المشتركة بين البلدين والتي تدرس جميع احتمالات الحلول في حال وجود خلاف طارئ في المستقبل. اذ يُغلب البلدان اليوم سياسة الحوار والتفاهم بدل التصادم.
وفي ظل هذه الظروف فان الدور الأمريكي ودور الأمم المتحدة والقوى العظمى والإقليمية مثلما كان داعماً مهماً لمثل هذا التقارب في ظل احترام مبادئ الجوار والقانون الدولي وتغليب مصالح الشعوب، فمن المفروض استمراره لتوفير الضمانات المطلوبة لتقارب ستجني ثماره بصفة خاصة أجيال الغد.
|تفاصيل التقرير|:
الحياد وخيار السلام
توجت رؤية أمير الكويت “للسلام في المنطقة ومع دول الجوار” بتحسن غير مسبوق للعلاقات مع العراق. وقد بدأت مؤشرات حسن الجوار والثقة في التبلور جدياً، وهي في أفضل حالاتها منذ سنوات. وقد أظهر مسار تواتر الأزمات الحالية في المنطقة تمسك الكويت بتحقيق انسجام في المواقف مع العراق تجاه الناي بالنفس عن الصراعات الإقليمية المحتملة خصوصا فيما يتعلق بالتصعيد الأمريكي الإيراني أو الازمة الخليجية. وقد اختار العراق الموقف نفسه مثل الكويت “الحياد” تجاه الازمة الخليجية او ازمة التصعيد الأمريكي ضد إيران. ويبدو ان هناك انسجام في هذا الصدد بين البلدين.
وبفضل سياسة الحياد التي يتبعها قادة البلدين زاد مؤشر التوافق السياسي الذي يعد بمزيد من الاستقرار بين البلدين. كما التزمت الكويت بالحياد مع الدوائر السياسية في العراق على أساس تحقيق توافق شامل على قاعدة الحوار والجيرة الحسنة بين الدول.
وبفضل ذلك تشهد العلاقات الكويتية ـــ العراقية تطوراً إيجابياً خلال السنوات الماضية توجت بالزيارات العالية المستوى التي جرت العام الحالي، على رأسها زيارة الرئيس العراقي برهم صالح كأول محطة خارجية له، وكذلك زيارة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، وزيارة رئيس مجلس النواب العراقي، والتئام الدورة السابعة للجنة العليا المشتركة الكويتية ـــ العراقية برئاسة وزيري خارجية البلدين والتي عقدت أخيراً في الكويت بين 11 و12 مايو الماضي، وصولاً إلى الزيارة التاريخية لأمير الكويت إلى العراق.
وقد سعت الحكومات العراقية المتعاقبة الى تبديد مخاوف الكويتيين بشأن اتجاهات الاستقرار في العراق ومنع تصدير أي توتر في الداخل العراقي الى جيرانه. وقد أثبتت الحكومات العراقية المختلفة طيلة العقد الماضي من خلال الزيارات المتكررة للمسؤولين العراقيين اهتمام الجهات الرسمية والمجموعات الشعبية بزيادة تفعيل الانسجام في رؤية السلام بالمنطقة والنأي بالبلدين من مستقبل الصراعات أو التوتر الذي يشهده الشرق الأوسط. بدورها تسعى الكويت من خلال مبادراتها وتصريحات مسؤوليها ومساندتها للشعب العراقي الى كسب العراق كحليف استراتيجي في أمن المنطقة وازدهار أجيال المستقبل والحيلولة دون وقوع أخطاء الماضي.
مبادرات حسن النوايا الكويتية تجاه العراق
يبدو أن سياسة الكويت ثابتة تجاه العراق اليوم والمستقبل. فقد أظهرت رؤية الاستثمار في السلام وحسن الجوار التي يدعمها أمير الكويت تماسك مسار سياسة الكويت المستقبلية تجاه العراق رغم الأحداث التي مرت به واختلاف حكوماته المتعاقبة. وبدت الكويت مهتمة بخلق مساحة ازدهار اقتصادي وثقافي مع العراق ودعم توجه الكويتيين الى الاستثمار والسياحة نحو الوجهة العراقية. كما تذللت تدريجيا عوائق قدوم العراقيين الى الكويت من أجل العمل أو الاستثمار.
وبفضل الاستثمار في السلام تمضي الكويت قدماً مع جارتها العراق في مواصلة جهود إعادة الإعمار والتغلب على العداوات الماضية.[1] وقد أكد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الكويتي صباح الخالد في احدى تصريحاته صباح الخالد ان “الكويت تقف إلى جانب العراق في هذه المرحلة والمراحل المقبلة”، مشددا على أن “الكويت تدعم جهود الأمم المتحدة في العراق لمساعدة حكومة وشعب العراق في هذه المرحلة الهامة والرامية إلى بناء مستقبل واعد”[2].
وعقب دحر تنظيم داعش من الأراضي العراقية سارعت الكويت الى تنظيم مؤتمر لدعم اعمار العراق وتعهدت بمنحة قدرها 100 مليون دولار للاحتياجات الإنسانية للعراقيين وإعادة إعمار المدن المتضررة التي تم تحريرها من داعش. وهذا ما استقبله العراقيون بثناء كبير مثمنين اهتمام الكويت المتصاعد بالاستثمار في سلام واستقرار جيرانه، وهو ما سيعود بالنفع على المدى البعيد على ازدهار الكويت ونجاح تنميتها في ظل ديمومة الاستقرار وتراجع التهديدات المحتملة على المدى البعيد.
وكان مؤتمر المانحين الذي نظمته الكويت في فبراير 2018 علامة بارزة في العلاقات بين العراق والكويت. كما كان تتويجا لعملية طويلة دعمتها الكويت لقبول العراق مرة أخرى في الحاضنة العربية والإسلامية. وقد عكس المؤتمر إيمان الكويت والمجتمع الدولي بأهمية دعم العراق من خلال تعهدات مالية بلغت نحو 30 مليار دولار على شكل قروض وتسهيلات ائتمانية واستثمارات تمكن العراق من تجاوز الظروف الصعبة. وبصفته البلد المضيف للمؤتمر، تعهد أمير الكويت بتقديم قروض بقيمة مليار دولار بالإضافة إلى استثمارات أخرى بقيمة مليار دولار للعراق.
وقد أثبتت الكويت مرونة كبيرة إزاء تأخر دفع التعويضات خلال سنوات الاضطرابات والحرب ضد داعش والتي استنزفت ميزانية الحكومة العراقية. وبتوجيهات من أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، كانت الكويت قد وافقت على تأجيل الدفعة المستحقة من التعويضات العراقية لمدة عام إضافي انتهت في الأول من يناير الأول 2018، على ألا يمس ذلك بأحكام قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، رغم ما تمر به الكويت من عجز في ميزانية الدولة، وبحسب وزير الخارجية صباح الخالد في احدى تصريحاته فان الكويت استجابت أيضاً لطلب العراق بتقديم كل الإمكانيات والآليات والخبرات الفنية لإطفاء الآبار النفطية التي تم تفجيرها في حقل القيارة.
جدية العراق والتزامه بالتقارب والتعاون مع الكويت
بعد تحرر العراق من النظام الشمولي بات النظام في بغداد ديمقراطياً ومنخرطاً بشكل فعال في المنظومات الدولية والأممية والإقليمية وملتزماً بالقانون الدولي، وباتت تحكمه الشرعية الدولية والالتزامات الإقليمية، وبذلك بات جديرا على الأرجح بمبادرات مد جسور الثقة معه في ظل الاتفاقيات الرسمية والتي اشتركت في المصادقة عليها برلمانات البلدين لإكسابها الشرعية الشعبية.
ومع تبني الحكومة العراقية سياسة “عدم وجود مشاكل” فيما يتعلق بالكويت، فان المنحى الجديد والمستقبلي للعلاقات الكويتية العراقية سيركز حسب القيادة السياسية العراقية على حل جميع المشاكل العالقة بين البلدين. كما أن العامل المساعد المباشر في تشكيل فصل جديد في العلاقات العراقية –الكويتية والخليجية يتمثل في مساع عراقية جادة للتقليل من الفوارق الطائفية وزيادة الحوار الديني وتشجيع الاعتدال. وحول مبدأ الاعتدال تلتقي سياسات العراق مع الكويت. فالزيارات الأخيرة للزعماء الدينيين العراقيين إلى دول الخليج كالكويت، والبيانات التي أدلت بها دول الخليج العربي والمسؤولون العراقيون، تشجع على التقارب الذي طال انتظاره[3].
بدروه، أشاد الرئيس العراقي، فؤاد معصوم، بموقف الكويت الداعم لاستقرار بلاده، مؤكداً أهمية العمل على دفع وتطوير مختلف مجالات التعاون الثنائية الوطيدة بين البلدين الشقيقين. وكمؤشر على التزام العراق بتسوية استحقاقاته الدولية تجاه الكويت، كشفت لجنة تعويضات حرب الخليج التابعة للأمم المتحدة، عن تسديد العراق لنحو 240 مليون دولار لشركة نفط الكويت الوطنية كتعويضات لخسائر إنتاج ومبيعات جراء الحرب العراقية –الكويتية. وكانت الأمم المتحدة أعلنت سابقا أنها قبلت مقترحا من العراق بدفع 0.5 بالمئة من إيراداته النفطية عام 2018 للكويت من أجل تعويض 4.6 مليار دولار عن تدمير منشآتها النفطية في حرب الخليج. وكان تقرير صدر عن لجنة التعويضات الأممية بين أن معدل المدفوعات من الصندوق العراقي الخاص بالتعويضات للكويت سيرتفع سنويا حتى العام 2021.
وعلى صعيد آخر سعت وزارة التخطيط والتجارة العراقية الى منح الكويت ميزة نسبية في امتيازات استثمارية واعدة في أسواقها نظراً للعلاقات الوثيقة التي تربط بين البلدين وقربهما الجغرافي، وهو ما قد يعزز المصالح المشتركة وتبادل تجاري أكبر بما يسهم في دفع عجلة التنمية في البلدين الجارين.
وعلى صعيد آخر أبدت الحكومات العراقية تعاونا وثيقا فيما يتعلق بملف المفقودين والأسرى، وسلمت للكويت عددا من رفات بعض المفقودين الكويتيين في العراق طيلة العقد الماضي.
مرونة وتوافق بين البلدين حول القضايا الخلافية
نجح العراق والكويت في 2013 في حل مشكلة ترسيم الحدود التاريخية بينهما بعدما وافق البلدان على استكمال إجراءات تخطيط الحدود البرية والبحرية بين البلدين وفق القرار رقم 833 الذي أصدره مجلس الأمن الدولي في سنة 1993 عقب الغزو العراقي للكويت. وتأتيتأتي زيارة أمير الكويت الأخيرة بمثابة نقطة تحوّل في العلاقات بين البلدين وإنهاء تفاهمات سابقة على ملفات وقضايا بين العراق والكويت، إضافة إلى الخروج برؤية موحّدة حول مستقبل علاقة البلدين بشكل يجنب البلدين أي خلافات ممكنة وخصوصا فيما يتعلق بالملاحة البحرية وترسيم الحدود المائية والبرية وملف خور عبد الله وحقول النفط المشتركة والتبادل التجاري والتعاون الأمني بين البلدين.
وقد أبدت حكومتا البلدين تفهمها وتوافقا لحل أهم القضايا العالقة. فحسب وزير الخارجية الكويتي فان “ملفات التعويضات المستحقة للكويت والأسرى والمفقودين من الكويتيين ورعايا الدول الثالثة والممتلكات الكويتية المفقودة بما فيها الأرشيف الوطني وصولا إلى إغلاق تلك الملفات المتبقية بتسوية الالتزامات المستحقة للكويت هي قضايا حساسة وحلها مهم في دعم وتعزيز وبناء الثقة بين الكويت والعراق”[4]. وقد مضت اللجان الوزارية المشتركة أشواطا في حسم أغلب هذه القضايا المطروحة.
وقد أبدت الحكومة الكويتية تقديرها للرغبة الجادة لدى العراق في الوفاء بكافة التزاماته الدولية المتبقية تجاه الكويت وهي بالتالي كما يؤكد وزير الخارجية الكويتي مستمرة في التعاون والعمل بنفس الروح الأخوية مع العراق انطلاقا من حرص البلدين على النأي بكل ما يعكر صفو هذه العلاقات والانطلاق نحو علاقات مبنية على أسس متينة[5].
مصالح أمنية وتجارية مشتركة في المستقبل
لطالما أكد مسؤولو الكويت والعراق بأن العلاقات الثنائية بين البلدين تتقدم بوتيرة متصاعدة. فالعلاقات بين البلدين قطعت أشواطاً كبيرة إلى الأمام بفضل حكمة ورغبة القيادتين في البلدين لتجاوز مخلفات الماضي.
على المستوى الأمني، فرغم التاريخ الصاخب للبلدين، إلا أن العلاقات المشتركة الحالية في حالة تحسن. فالكويت حسب مسؤوليها تريد أن يصبح العراق دولة مستقرة تركز على التنمية الداخلية. من جانبه، يتطلع العراق الى الكويت كونها داعما مساعدا في إعادة بناء مدنها التي تضررت بشدة. في المقابل اثبتت الحكومات العراقية المتعاقبة حسن نواياها تجاه حفظ أمن الكويت وذلك بمنع المتطرفين من عبور الحدود العراقية الى الأراضي الكويتية. وقدمت حكومة الكويت بدورها كل المساعدة للحكومة العراقية من أجل الحيلولة دون ظهور تمرد آخر من نوع الدولة الإسلامية (داعش) في المستقبل[6].
ومن مصلحة الأمن القومي للعراق والكويت وضع الماضي وراءهما ومواصلة التعاون وتعميق العلاقات الثنائية. مثل هذا التعاون من شأنه أن يقلل من التوترات المستمرة منذ حرب الخليج 1990-1991 ويساعد في إعادة بناء المدن العراقية المتضررة. فإذا تأخرت إعادة بناء هذه المناطق أو اعتبرت غير كافية، فقد تعود حركة تمرد أخرى إلى الظهور، وهذا لن يخدم مصلحة أحد سوى المتطرفين. وبالتالي، من مصلحة صانعي السياسة الأميركيين تشجيع التقارب الكويتي العراقي نظرا للعلاقات الوثيقة التي تربط واشنطن بكل من الكويت والعراق.
أما على مستوى المصالح الاقتصادية، فيبدو أنه لا مجال الا لعلاقات مميزة مع العراق لإنجاز وانجاح رؤية الكويت 2030 خصوصاً لتضمن هذه الرؤية لمشاريع عملاقة متاخمة للحدود العراقية كميناء مبارك الكبير فضلاً عن مشاريع مستقبلية لإنتاج الطاقة من حقول مشتركة. وقد تسارعت وتيرة التعاون بين العراق والكويت لاستثمار الحقول النفطية المشتركة، التي كانت في السابق أحد أسباب التوتر بين البلدين. وكانت بغداد أعلنت أنها بصدد اللمسات الأخيرة لبدء تصدير الغاز إلى الكويت.
ومن المرجح أن تعزز الاقتصاد غير النفطي للكويت قد يمثل دعم الشراكة مع العراق دفعة مهمة لإنجاحه. فالسوق العراقية في نمو مستمر من حيث الحجم والقدرة الشرائية كما أن العراق قد يكون مصدرا للموارد الزراعية أو الطاقة النظيفة للكويت في المستقبل، وهو ما سيشكل تكاملا وتعاونا بين البلدين سيدر بإيرادات أكبر تستفيد منها أجيال المستقبل.
وقد شهدت السنوات الأخيرة عقد اجتماعات للجان وفرق عمل حكومية وممثلي القطاع الخاص من كلا البلدين لمناقشة سبل تعزيز وتطوير التعاون بين جميع القطاعين العام والخاص في مختلف المجالات الحيوية. كما وقعت وزارتا المالية الكويتية والعراقية اتفاقية لتجنب الازدواج الضريبي ومنع التهرب المالي لضرائب الدخل ورأس المال.
ومن المرجح أن تتعزز استفادة الكويت من العلاقات مع العراق خلال السنوات المقبلة خصوصا من خلال نمو الطلب العراقي على السلع وأيضا على استثمارات البناء والتشييد في ظل عملية إعادة إعمار الأراضي التي حررت من تنظيم (داعش).
وبفضل نمو الطلب العراقي ارتفعت صادرات الكويت إلى العراق الى نحو 464.21 مليون دولار خلال عام 2017، وفقًا لقاعدة بيانات COMTRADE التابعة للأمم المتحدة بشأن التجارة الدولية. وقد بلغت واردات العراق من الكويت 230.49 مليون دولار خلال عام 2014، حسب COMTRADE بشأن التجارة الدولية. وحسب وزارة التجارة والصناعة الكويتية في 2015 تصدرت العراق قائمة الدول العربية الأكثر استيرادا لصادرات الكويت. وقد احتلت العراق مقدمة الدول العربية في استيراد منتجات كويتية المنشأ بقيمة نحو 40 مليون دينار، لكنه تراجع العام الماضي ليحل ثاني مستورد للصادرات الكويتية بـ 18.7 مليون دينار متراجعا بنحو 53.3 في المئة.
على صعيد آخر، يمكن أن تمثل العراق مستقبلاً بالنسبة للكويت الحزام الأخضر لها وشريكا في الأمن الغذائي مع احتمالات كبيرة لاستفادة من حركة السلع الزراعية. وكذلك قد تساعد زيادة تذليل العقبات امام تحرك الافراد والسلع التجارية في نمو الاستثمارات المشتركة. كما ان التبادل الثقافي مهم للغاية لتعزيز روح التسامح بين الجارين. فباستقرار الأمن التدريجي في العراق قد تكون الوجهة العراقية في المستقبل من أهم وجهات السياحة للكويتيين لما تتوافر في العراق من مقدرات طبيعية ومعالم أثرية هامة.
وفي ظل رؤى البلدين التنموية المستقبلية قد يدر تعزز التعاون اللوجيستي خصوصا على مستوى الموانئ بالنفع على البلدين. وتستثمر الكويت بكثافة لتطوير مشروع ميناء مبارك الكبير الذي سيخدم بشكل اساسي السوق العراقية وخارجها. لكن هناك بعض التحديات التي تسعى حكومتا البلدين للتغلب عليها كمحدودية التنسيق المشترك، مما اثار مواقف سياسية وشعبية سلبية في العراق. لكن الحديث عن الموانئ ومنها ميناء مبارك الكبير لم يعد مطروحا نظرا لأن هذا الميناء يخدم جميع الدول بما فيها العراق وإيران. اذ بعد الانتهاء من مشروعي ميناء مبارك الكبير من جهة الكويت، وميناء الفاو من جهة العراق ووضعهما تحت التشغيل من المرجح أن تتعزز فرص التعاون وتتحسن العلاقات بين البلدين.
تحديات التقارب الكويتي العراقي
فتح صفحة جديدة للعلاقات بين العراق والكويت والخليج عموما تتطلب تحليلًا جديدًا بسبب البيئة المتغيرة. فالعوامل ذات الصلة بالاستقرار السياسي والاقتصادي في العراق وعلاقاته المستقبلية مع دول الخليج ستحدد مستقبل سياسات دول الخليج تجاه العراق.
ومع ذلك، فإن التشنجات الداخلية للعراق فضلاً عن الوضع الإقليمي المتوتر قد يزعج الرغبة في تحسين العلاقات مع جيرانه. وقد سعى رؤساء وزراء العراق خلال العشر سنوات الأخيرة الى تخفيف بعض مخاوف الكويت ودول الخليج العربية الأخرى بشأن جدية الحكومة العراقية في دعم استباب أمنها واستقرارها الداخلي اعتمادا على سياسة التوافق والمسار الديمقراطي والالتزام بالشرعية الدولية وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
لكن ما يثير القلق أكثر حول تحسن مستمر في العلاقات الكويتية العراقية هو احتمال حدوث صراعات عسكرية بين الولايات المتحدة وإيران. كما أن هناك مخاطر أخرى قد تعيق أيضًا التقارب الكويتي العراقي والمتمثلة خصوصا في تهديد عدم استقرار الحياة السياسية في العراق، ثانيا يبقى مسالة حسم الحدود بشكل نهائي يمثل حساسية تدفع ببعض السياسيين العراقيين من فترة الى أخرى للتنديد بالاتفاقيات المبرمة بين البلدين خصوصا حول اتفاقية خور عبد الله. وماتزال بعض مراكز الدراسات والفكر في العراق ترفض مثل الاتفاقية الى اليوم. وعلى الرغم من ابرام اتفاقية خور عبد الله الحدودية تبقى هناك مخاوف من ان تكون بذرة توتر وازمة جديدة تتفجر بين العراق والكويت مع بدء تشغيل ميناء مبارك الكبير، مثل هذه الاحتمالات تسارع اللجان الوزارية الكويتية العراقية لدراسة جل الحلول لاستباقها ومواجهتها.
لا تزال مشكلة الحدود البحرية بين العراق والكويت تلقي بظلالها القاتمة ليس فقط على اتجاه مسار العلاقات بين العراق والكويت وإنما على مجمل علاقات العراق بدول الخليج العربي، وذلك من جراء النتائج المترتبة عن استثمار نتائج حروب الخليج الثانية والثالثة في عامي 1991 و2003[7].
وعلى الرغم من التحسن الملحوظ الذي شهدته العلاقات العراقية – الكويتية إلا إن مشكلة الحدود تبقى قائمة لتشهد بين الفترة والأخرى توترا ينعكس على العلاقة بين البلدين[8]. وكان عدد من الخبراء العراقيين، كشفوا عن مخاطر المضي باتفاقية خور عبد الله، مبينين أن الهدف المخفي منها، اعطاء الشرعية لعمل ميناء مبارك الكويتي. وهناك مخاوف من مراجعة الحكومات المقبلة للاتفاقيات التي أبرمتها الحكومات السابقة[9].
وتعاملت الكويت مع مثل هذه التحديات بتأكيد مسؤوليها عن الالتزام بالاتفاقيات الدولية المتعلقة بترسيم الحدود. وكان نائب وزير الخارجية الكويتي خالد الجار الله أكد التزام دولة الكويت بما اتفقت عليه مع العراق في شأن ترسيم وصيانة العلامات الحدودية البحرية وعدم تجاوزها وفقا لقرار مجلس الأمن رقم (833). في إشارة إلى اتفاقية خور عبد الله. وأشار الجار الله إلى إن “القرار الدولي (833) بشأن ترسيم الحدود البرية وجزء من الحدود البحرية الى النقطة رقم (162) وهو القرار الاممي الذي صدر بموجب الفصل السابع من الميثاق يوجب التزام البلدين به نصاً وروحاً.
وفي هذا الصدد سيكون من الأفضل لصانعي السياسة في الولايات المتحدة تقليص مخاوف البلدين والحرص على تقليص دوافع التوتر خصوصا في العراق وتثبيت العملية الديمقراطية والاستقرار السياسي حيث أن عدم استقرار العراق قد يكون له عواقب غير مقصودة مثل تراجع التقدم في العلاقات العراقية –الكويتية والذي قد يؤثر على بطء تنفيذ التعهدات والاتفاقيات المشتركة المبرمة.
لكن هناك تحد آخر أعلنته الكويت فيما يتعلق بمستقبل علاقتها مع العراق، فحسب وزير الخارجية الكويتي صباح الخالد ما يثير قلق الكويت هو استمرار تهديد الجماعات الإرهابية لأمن العراق واستقراره بما في ذلك استقرار المنطقة على الرغم من هزيمة تنظيم (داعش).
استنتاج
تقترب الكويت من حسم كل الخلافات التاريخية مع العراق. وبفضل سياسات الحوار وتبادل الزيارات وعدم تجاوز النقاط الخلافية وحلها بشكل نهائي وإظهار الثقة وحسن النوايا القائمة على مبدأ احترام سيادة الدول والشرعية الدولية، وعلى أساس تحسن المسارات الديمقراطية في البلدين، من المرجح أن مستقبل العلاقات بين البلدين سيخلو من أي توتر أو نزاع في المستقبل بعد تكون أساس صلب لعلاقات جوار قد تكون الأفضل مما كانت عليه حتى قبل الغزو، وستعود بالنفع على مستقبل أجيال البلدين. حيث سيمثل التقارب الرسمي والشعبي بين البيدين والتمسك بالاستقرار الأمني وتبادل المصالح دعامة لنجاح رؤية الكويت التنموية 2030.
وقد اثبتت زيارة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الى العراق دليلا قاطعاً على مؤشر الثقة وحسن النوايا ودعامة قوية لرغبة الكويت في علاقات استثنائية مع العراق، وقد قابلها تثمين وتقدير عراقي وتمسك من الحكومات العراقية المتعاقبة على استثمار مبادرة حسن الجوار والسلام الكويتية وتحويلها الى رؤية مستقبلية تهتدي بها الحكومات العراقية المستقبلية لتطوير العلاقات مع الكويت.
المصدر: فريق مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf)
[1] Ibrahim Salih, Mahmoud Barakat, Iraq adopts ‘zero problems’ policy vis-à-vis Kuwait: PM, Iraqi PM pays first official visit to Kuwait since assuming premiership last October, AA, 23.05.2019, https://www.aa.com.tr/en/middle-east/iraq-adopts-zero-problems-policy-vis-%C3%A0-vis-kuwait-pm/1485499
[2] أنظر تقرير وزارة الاعلام الكويتية، قطاع الاخبار والبرامج السياسية، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية : لن ندخر جهدا لمعرفة مصير المفقودين، 29 يونيو 2019، http://www.news.gov.kw/NewsDetails.aspx?id=67442&cid=1
[3] Dr. Sterling Jensen, Dr. Waleed al-Rawi, Iraq and Arab Gulf Countries: Rapprochement?, Workshop5, Gulf research center Cambridge, http://gulfresearchmeeting.net/workshop/138_WS5%20-%20Iraq%20and%20Arab%20Gulf%20Countries%20Rapprochement.pdf
[4] أنظر تقرير وزارة الاعلام الكويتية، قطاع الاخبار والبرامج السياسية، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية : لن ندخر جهدا لمعرفة مصير المفقودين، 29 يونيو 2019، http://www.news.gov.kw/NewsDetails.aspx?id=67442&cid=1
[5] أنظر تقرير وزارة الاعلام الكويتية، قطاع الاخبار والبرامج السياسية، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية : لن ندخر جهدا لمعرفة مصير المفقودين، 29 يونيو 2019، http://www.news.gov.kw/NewsDetails.aspx?id=67442&cid=1
[6] Gregory Aftandilian, The Future of Iraqi-Kuwaiti Relations: Overcoming a Troubled History, Arab Center Washington DC, JULY 10, 2018, http://arabcenterdc.org/policy_analyses/the-future-of-iraqi-kuwaiti-relations-overcoming-a-troubled-history/
[7] اللواء البحري الركن المتقاعد الدكتور عماد علّو، مشكلة الحدود البحرية بين العراق والكويت وأثرها على المصالح الوطنية العراقية، المركز الاوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات، 30 يناير 2017،
مشكلة #الحدود_البحرية بين #العراق و #الكويت و المصالح الوطنية العراقية
[8] حيدر رزاق شمران، العلاقات العراقية – الكويتية … خور عبد الله أنموذجا، المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية، مارس 2017، https://www.iicss.iq/?id=40&sid=113
[9] أنظر خبر جريدة الصباح الجديد العراقية، خبراء يحذرون من المضي باتفاقية خور عبد الله والربط السككي: سنخسر جميع الموانئ، مايو 2019، https://newsabah.com/newspaper/184744