-
مصلحة ترامب من ضرب إيران: الطاقة واسرائيل وتحجيم نفوذ روسيا والصين
-
واشنطن تريد صنع توتر دائم في المنطقة لخدمة صناع النفط الأمريكيين
الكويت، 22 مايو 2019 (csrgulf): لا واشنطن مستعدة لحرب بمفردها، ولا دول الخليج مستعدة لتكلفة حرب تضر بمصالحها الحيوية، ولا إيران مستعدة بدورها لحرب ستدمرها اقتصادياً وعسكرياً حسب دراسة ميزان القوى الاستراتيجية. لكن يبقى احتمال تهور ترامب وارد ليزج بحلفائه الى حرب “أمر واقع”. فمؤشرات مختلفة حسب تقارير أمريكية تؤكد مضي ترامب في تحقيق وعوده الانتخابية أبرزها توسيع مصالح أمريكا وإسرائيل في المنطقة وتعزيز نمو قيمة سلعة النفط (الى 150 دولارا)، اذ أنها ترتفع على وقع استمرار التوتر في أهم منطقة للطاقة في العالم. ويأتي الاهتمام بتحريك سعر النفط تمهيدا لتعزيز جدوى دخول الشركات الأمريكية سباق تصدير النفط بحلول 2022، وتلك خطوة مسبقة على الأرجح لكسب ترامب دعم اللوبيات النفطية واللوبي الاسرائيلي في واشنطن في حملته الانتخابية المقبلة. وفي ظل إعادة انتشار القوات الأمريكية في الخليج، فان هناك احتمال أن يبقى التأهب لأشهر مقبلة، في انتظار استفزاز طرف لآخر. وقد تستغل إسرائيل الفرصة لتستفز إيران أو حلفائها في المنطقة لتدفعها الى ردة فعل قد تكون مبرر واشنطن للحرب.
تبدو دوافع ترامب في شن عملية عسكرية محدودة ضد أهداف إيرانية أبعد من الاستجابة فقط لأجندة واشنطن التاريخية في حماية مصالح حلفائها ضد ما تصفه مطامع إيران، بل هناك على الأرجح مبررات كثيرة تدفع بجدوى سيناريو حرب خاطفة في المنطقة تخدم مصالح الولايات المتحدة متوسطة وبعيدة المدى في ظل شعار ترامب “أمريكا أولا”.
ضربة أميركية ملحة لأهداف إيرانية من أجل اعادة اعتبار واشنطن في المنطقة وتحجيم نفوذ الصين وروسيا المتنامي في الشرق الأوسط، والضغط على تشكل حلف عربي دائم يكون حجر أساس صفقة القرن، والحفاظ على توتر مزمن من أجل رفع سقف أسعار النفط على المدى المتوسط لزيادة جدواه السوقية ايفاء بوعود ترامب للوبي النفط الأمريكي الذي سيبدأ تصديره للسوق العالمية بداية 2022[1]، تبدو كلها مبررات تشرع جدوى الحرب التي يؤيدها فريق من إدارة الرئيس وينفيها فريق آخر وبين من يريد حلا ديبلوماسيا مع ايران ومن يريد علانية تغيير النظام على راسهم مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون[2].
وعلى الأرجح يبدو أن إعادة واشنطن لأسطولها الحربي بما في ذلك حاملة الطائرات الى مياه الخليج، وإعادة انتشار الجيش الأمريكي في المنطقة، اجراءات قد تمتد لسنوات قبل اتخاذ قرار جديد بسحبهم، وذلك من أجل الحفاظ على المدى القريب على ميزان القوة لصالح واشنطن وحلفائها وردعا لتمدد النفوذ الإيراني الآخذ في التصاعد. كما سيكون أداة لرفع التوتر من حين لآخر للحفاظ على المخاوف التي تبقي أسعار النفط مرتفعة. الا أن منفعة أميركا من حرب خاطفة قد تمثل أيضا غطاء للضغط على الدول العربية لإعادة صياغة اتفاق سلام طويل الأمد مع إسرائيل وحصر علاقة العداء فقط بإيران.
لكن ما يحرك في حقيقة الأمر دفة السياسة الأمريكية هي المصالح. وعلى وقع ذلك يبدو ترامب متحمساً لأن يكون أكثر رئيس أمريكي استفاد وحقق أكبر نسبة من المصالح من علاقات واشنطن بدول الخليج والشرق الأوسط من خلال صفقات التسلح الضخمة وتعزز الاستثمارات الخليجية في الولايات المتحدة وأيضا نمو عدد الوظائف التي وفرتها الاستثمارات المتأتية من دول الشرق الوسط لفائدة العمالة الأمريكية.
لكن علاوة عن ذلك، تبدو هناك أجندة خفية مرتبطة بمستقبل أسعار النفط من تحرك هوس ترامب بتصعيد التوتر في الشرق الأوسط. حيث تراهن مؤسسات أمريكية وصناديق تحوط مرتبطة باللوبي النفطي على ارتفاع النفط إلى 150 دولارًا للبرميل[3] من حوالي 73 دولارًا الآن. وتوقعت مؤسسات اقتصادية مثل انديروند كابتيل آنذاك أن يكون المحرك الرئيسي لارتفاع أسعار النفط العقوبات الأمريكية القادمة على قطاع الطاقة الإيراني والتصعيد ضدها والحرب التجارية ضد الصين. وكانت كل من منظمة أوبك والوكالة الدولية للطاقة حذرت العام الماضي أيضا من خطر النزاعات على الحركة التجارية وتأثيراتها على نمو الطلب العالمي.
وقد بدأ الاهتمام بتوقعات أسعار النفط ومحفزات رفعه يلهم ساسة الولايات المتحدة منذ سنوات تمهيدا لدخول الشركات الامريكية سباق تصدير الطاقة. وليفي بوعوده الانتخابية للوبيات الطاقة في الولايات المتحدة بتعزيز صادرات النفط الامريكية في 2022، ومن أجل الحفاظ على شعبيته بين النخب الفاعلة التي دعمته في الانتخابات الرئاسية الماضية والتي يراهن على استمرار دعمها له في الانتخابات المقبلة، يسعى ترامب الى تحقيق وعوده حتى وان كانت على حساب زعزعة السلام الاقليمي.
وللتأكيد على ايفاء الجمهوريين بوعودهم للوبيات، يذكر أنه بعد تولي الرئيس جورج دبليو بوش منصبه، عين محامي لوبي النفط دفيد بيرنهارد كمساعد سياسي لوزير الداخلية. وقد عمل لتسريع مساعي الإدارة لرفع الحظر الذي فرضه الكونغرس على التنقيب عن النفط.
ومنذ وصول دونالد ترامب الى البيت الأبيض زاد إنفاق شركات صناعة النفط والغاز 36.1 مليون دولار خلال الأشهر الأولى من تنصيب ترامب على جهود الضغط على الهيئات الفدرالية من اجل زيادة تقليص القيود على انتاج النفط وتصديره[4]. ولاحقا احتفل المسؤولون التنفيذيون في مجال النفط بتعيين بيرنهاردت محاميهم السابق من قبل الرئيس دونالد ترامب في منصب وزير الداخلية. وسبقه تعيين ترامب للرئيس التنفيذي لشركة اكسون موبيل ريكس تيلرسون كوزير سابق للخارجية.
ويراقب مطورو الطاقة الذين يشكلون جمعية البترول المستقلة الأمريكية بالفعل إجراءات الرئيس التي تقضي بإصلاح شامل للوائح البيئية التي تتيح زيادة توفير أراضي للتنقيب على النفط[5]. لكن زيادة ضغط صناع النفط والغاز هو علامة على أن المديرين التنفيذيين في هذه الصناعة يتوقعون من إدارة ترامب أن تعمل على أمور قد تعزز من ثروات شركاتهم. فخلال الأيام المائة الأولى التي أمضاها في منصبه، تحرك ترامب والكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون لتخفيف أو إزالة القيود المفروضة على شركات الفحم والنفط والغاز.
وحسب فايناشل تايمز في يناير 2017، احتفت مجموعة صناعة النفط والغاز الأمريكية الرائدة بإلغاء القيود وزيادة الوصول إلى عمليات الحفر البحرية والمزيد من الدعم لخطوط الأنابيب .ولاحقا أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في يونيو 2017 انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس حول المناخ، الأمر الذي كان وعد به خلال حملته الانتخابية تحت شعار الدفاع عن الوظائف الأمريكية. وحسب محللي الطاقة فإن النفط قد يرتفع الى أكثر من 100 دولار هذا الصيف في حال استمرار توتر الوضع في الشرق الأوسط. وكان “بنك أوف أمريكا” أصدر توقعات[6] تفضي انه إذا حصلت إدارة ترامب على قرار بشأن تصعيد الحرب التجارية مع الصين وزيادة تشديد العقوبات على إيران او اندلاع حرب فذلك سيؤدي الى ارتفاع أسعار النفط إلى 100 دولار للبرميل وأكثر، ليكون هذا الصيف الأسخن على الاطلاق خلال العقد الماضي.
المصدر : مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf)
[1] Irina Slav, U.S. To Become Net Oil And Gas Exporter In 5 Years, OilPrice, Feb 11, 2018, https://oilprice.com/Energy/Energy-General/US-To-Become-Net-Oil-And-Gas-Exporter-In-5-Years.html
[2]Alex Ward, John Bolton’s obsession with fighting Iran is making Trump policy more dangerous, Jan 2019, VOX,
https://www.vox.com/world/2019/1/14/18181962/iran-news-bolton-strike-pentagon-trump-mattis
[3] Amanda Cooper and Maiya Keidan, Reuters, Hardcore hedge fund bulls say Iran sanctions may see oil at $150, Aug 14 2018, https://news.abs-cbn.com/business/08/14/18/hardcore-hedge-fund-bulls-say-iran-sanctions-may-see-oil-at-150
[4] Rachel Wilson, OIL, GAS AND COAL INTERESTS FILLING DONALD TRUMP’S ‘SWAMP’ WITH CASH, May 2017, Publicintegrity, https://publicintegrity.org/federal-politics/oil-gas-and-coal-interests-filling-donald-trumps-swamp-with-cash/
[5] LANCE WILLIAMS, Recording Reveals Oil Industry Execs Laughing at Trump Access, The tape of a private meeting was made shortly after the lawyer for an influential industry group was tapped for a high-level post at the Department of the Interior, Politco, March 23, 2019, https://www.politico.com/magazine/story/2019/03/23/trump-big-oil-industry-influence-investigation-zinke-226106
[6] Patti Domm, Risks are rising for an oil price spike as tensions between the U.S. and Iran increase, 15 may 2019, CNBC, https://www.cnbc.com/2019/05/15/risks-are-rising-for-an-oil-price-spike-as-tensions-between-the-us-and-iran-increase.html