يبدو أن الكويت على المدى المتوسط والبعيد قد لا تعاني من حدة خلل التركيبة السكانية الحالية التي تسببها كثافة الوافدين اليوم نحو (70 في المئة) مقابل أقلية كويتية نحو (30 في المئة). فكثافة الوافدين من المرجح أن تتقلص تدريجيا وتلقائياً على عكس توقعات بزيادتهم بحلول عام 2030 حتى 2050. ويعود التراجع المتوقع في عدد الوافدين والمهاجرين المحتملين الى الكويت مستقبلا بسبب تغير سريع محتمل في الاتجاهات المستقبلية لحركة الهجرة العمالية حول العالم، في ظل توقعات أكيدة بزيادة تنافسية وجهات عمل جديدة قد تستقطب الوافدين من الكويت.
وتم رصدتراجع بالفعل في حجم زيادة عدد الوافدين في الخمس سنوات الأخيرة بين 2015 الى 2020 بنحو 42 ألف[1]، مقارنة بالفترة ما بين 2010 الى 2015[2]. على المدى القريب، هذا التراجع يفسر زيادة اقبال الوافدين على طلبات الهجرة الى الولايات المتحدة وكندا خصوصا ودول أوروبية. فعلى سبيل المثال ازدادت الطلبات على التأشيرات الأمريكية في الكويت بحوالي 15 في المائة[3] مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وكانت الزيادة مدفوعة بشكل خاص بطلبات من مواطني دول أخرى غير الكويتيين[4]. كما اعتبرت الكويت ثاني اكثر دولة خليجية يحصل المتقدمون فيها على الهجرة الى الولايات المتحدة على تأشيرة الاقامة الدائمة Green Card حيث حصل نحو 158 من الكويت على تأشيرة الهجرة[5]. الى ذلك زادت طلبات اللجوء من الكويت[6] الى دول أخرى ومن المرجح أن تكون مقدمة خصوصا من الوافدين السوريين وفئات غير محددي الجنسية.
وعلى صعيد آخر، زادت عروض الدول مثل كندا والولايات المتحدة وسويسرا وأستراليا لتحفيز الاقبال على الهجرة من خلال زيادة اعلانات الهجرة في الكويت خصوصا على المواقع الالكترونية أو على الأرجح في مكاتب السفر. كما برزت أسباب أخرى قد تزيد من تحفيز الوافد على الهجرة من الكويت الى وجهة عمل أخرى اهمها تراجع تنافسية سوق العمل في الكويت من حيث الأجور والامتيازات[7] بشكل كبير مقارنة مع أسواق العمل الأخرى مثل بقية دول الخليج وأوروبا والولايات المتحدة.
وحسب احصائيات ادارة البحث في بنك «إتش إس بي سي» لترتيب متوسط الدخل السنوي[8]، الذي يتقاضه المغتربون من أصحاب الكفاءة في دول الخليج، فقد تذيلت الكويت قائمة دول مجلس التعاون بمتوسط دخل سنوي يصل إلى نحو 73 ألف دولار، فيما حلت الإمارات العربية الأولى خليجياً ومن الأوائل عالمياً بنحو متوسط 113 ألف دولار سنوياً، تلتها قطر بنحو 104 آلاف دولار، فالبحرين بنحو 98 ألف دولار، فالسعودية بنحو 95 ألف دولار، وعمان بنحو 87 ألف دولار.
وقد يمكن تبرير تقلبات متوسط الاجور في القطاع الخاص بسبب تخمة الوافدين وخصوصا الذين يقدمون الى البلاد بزيارة عمل وهمية، وهو ما ادى الى تراكم اليد العاملة غير المهرة، وادى بنسق الاجور الى الانكماش. الى ذلك زادت الضغوط على القطاع الحكومي في ظل سياسة التقشف و”التكويت” خلال فترة ازمة هبوط اسعار النفط، وانتهاج التقليص التدريجي للوافدين وهو مادى بسوق العرض الى الازدياد والاتجاه الى القطاع الخاص الذي بدوره يسجل ركودا في نمو الاستثمار وهو ما قاد الى تراجع قدرته على استيعاب العمالة، ليضغط أكثر سلبيا على متوسط سقف الاجور التي استمرت في تراجع مقابل زيادة تكاليف الحياة وخصوصا بعد تطبيق رسوم على الوافدين. وقد أثرت مؤشرات مثل الضغط الحكومي والنيابي على فرض توجه الاستغناء عن الوافدين في بعض القطاعات، وتخفيض سقف الاجور في ظل تصاعد تكلفة المعيشة، اثرت على ميزة سوق العمل في الكويت وسط ارتفاع الشعور بعدم الاستقرار ونظرة مستقبلية للوافدين تتسم بالقلق. لكن يبقى القلق هنا حول تزايد مخاطر هجرة الكفاءات الوافدة من الكويت الى دول اخرى تقدم امتيازات مالية واجتماعية تنافسية كالتملك والاقامة الدائمة.
وجهات جديدة للهجرة ستكون منافسة للكويت
على المدى المتوسط، وبحلول عام 2030، ليس من المستبعد أن تتراجع جاذبية الكويت كوجهة للعمل يقصدها الالاف حول العالم سنويا من أجل فرص وظيفية. تقلص جاذبيتها كوجهة للوافدين العاملين في المدى المتوسط يعود الى احتمال قوي بصعود وجهات أخرى للمهاجرين في المدى المتوسط، وجهات تعتبر اليوم إجراءات الهجرة اليها غير متاحة للجميع ومكلفة، إلا أنها من المحتمل ان تكون أكثر جاذبية من خلال الامتيازات المقدمة، وأكثر سلاسة من حيث الاجراءات والاندماج في المجتمع، ومن المرجح أن يشعر المهاجرون بهذا التغيير تدريجيا بحلول عام 2025. وتأتي على رأس القائمة دول القارة الأوروبية والولايات المتحدة وكندا كأكثر وجهات العمل المستقبلية تنافسية وجاذبية. اذ تشهد هذه التوجهات استمرار توسع اقتصاداتها في مقابل توقع تسجيلها لأكبر نزيف ديمغرافي لتركيبتها السكانية في تاريخها سيضطرها مع حلول عام 2030[9] الى فتح أبواب الهجرة أكثر اليها خصوصا أمام الأفارقة والعرب والاسيويين. فقارة أوروبا على سبيل المثال تعاني من أكبر نسبة عجائز فيها على مر التاريخ حيث من المرجح ان يفوق عدد العجائز اكثر من نصف اجمالي سكان أوروبا بحلول عام 2030[10]. وبذلك فان وجهات الهجرة من المتوقع أن تتغير بناء على امتيازات العرض والطلب وظروف حياة المغترب والكفاءة والبيئة الصحية وسهولة الاندماج.
التغيير في وجهات الهجرة لن يمنع بقاء الكويت بين اكثر الدول التي تقصد من اجل العمل خصوصا مع امتياز عدم وجود الضرائب لكن قد تفقد سوق العمل بها ميزة هامة من مزاياها في حال تم تطبيق الضريبة على الدخل في المدى المتوسط على الافراد. وباعتبار ان غالبية المهاجرين خصوصا من اسيا ومنطقة الشرق الاوسط والعرب، فهؤلاء قد تزيد هجرتهم اكثر نحو القارة الامريكية و الأوروبية بعد توقع اعلان احتياجات لوظائف بالملايين على المدى المتوسط.
وقد يكون هذا التغير المرتقب في خارطة الهجرة وتنقل المهاجرين في 2030 ينصب في صالح الكويت لتصبح وجهة للوافدين المهرة فقط مع الاضطرار لتقديم امتيازات عالية لجذب الكفاءات. اذ أن الاقتصاد الكويتي من المرجح ان يستمر في النمو مع توقع طفرة في التنمية بفضل انجاز مشروعات ضخمة في المستقبل واستمرار ايرادات النفط المتجهة للارتفاع. ولذلك لا يبدو أن الاقتصاد الكويتي قادر عن الاستغناء عن جزء كبير من العمالة الوافدة على المدى المتوسط، بل سيكون بأشد الحاجة للوافدين في ظل نمو ديمغرافي للكويتيين محدود( 0.026) في المئة[11] ، اذ من المتوقع ان لا يتعدى عدد الكويتيين في عام 2030 نحو مليون و700 الف[12]. ونحو 2.1 مليون في 2050[13]، وقد لا تكون كافية القوة العاملة الكويتية ان تواكب توسع النشاط الاقتصادي الكويتي وخصوصا الخدماتي في ظل خطة تنويع الاقتصاد. وبناء على ذلك فقد يزيد تكلفة استقطاب الوافدين في ظل زيادة تنافسية العرض والطلب بين وجهات الهجرة للكفاءات والامتيازات المقدمة.
ومن المتوقع ان يؤثر تراجع عدد الوافدين في السوق الكويتية على المدى المتوسط على التعليم والصحة. كما سيتضرر منه أيضا القطاع العقاري وقطاعات الخدمات وتجارة التجزئة وجزء كبير من أنشطة هذه القطاعات التي تعول اما على الوافدين او تستهدف سوق الوافدين. أما الجوانب الايجابية لتوقعات تغير حركة الهجرة وتبعاتها الايجابية على الكويت فهو تقلص عدد العزاب من البلاد، وخلو مناطق من الوافدين لصالح المواطنين الباحثين عن سكن لتتحول مناطق تكدس الوافدين الى مناطق سكن خاصة للكويتيين، كما سيمكن تقلص عدد الوافدين من تخفيف الضغوط على حركة المرور. وعلى صعيد آخر سيضطر هذا التغير المحتمل في تركيبة القوى العاملة الكويتيين الى التعويل أكثر على قدراتهم وزيادة الانتاجية والعمل في جل القطاعات مع تحقيق استفادة أخرى كتقليص نسبة البطالة الى الصفر، مع امكانية الاستعانة بالمتقاعدين في امكان العمل.
الا أنه يجدر الانتباه الى ان المشكلة لا تكمن في بقاء أأاو هجرة الوافدين، فتراجعهم بشكل غير مدروس قد يسبب مشكلة للاقتصاد الكويتي وتكدسهم مثلما هو الحال اليوم يسبب مشكلات كثيرة، وبذلك فان المشكلة الحقيقية تكمن في تحقيق توازن ديمغرافي من خلال تشجيع الكويتيين على الانجاب والتكاثر بنسب أسرع من اليوم. اذ تشهد نسب النمو الديمغرافي تراجعا كبيرا خصوصا في المناطق الحضرية.
سكان البادية الأكثر نموا من سكان المناطق الحضرية في الكويت
انخفضت نسبة الكويتيين من 35 في المئة في عام 1998 إلى 31 في المئة في عام 2015 فنحو 30 في المئة في بداية 2019. وكانت تضاعفت في الخمس سنوات الاخيرة بين 2015 الى 2020 [14] زيادة عدد الوافدين في الكويت بنحو ثلاثة مرات ناهزت 458 ألفا، فيما كانت زيادة عدد الكويتيين نحو 134 الفا[15] طيلة الخمس السنوات. الا أن هذه الزيادة في عدد الوافدين المستمرة في الارتفاع من المرجح ان تتجه نحو الانخفاض بشكل واضح بداية من عام 2030، بسبب زيادة تغيرات الهجرة وتوقع اتجاهات هجرة أخرى بامتيازات اكبر.
هذا الخلل السكاني أدى أيضاً إلى نوع من الفصل بين الأحياء حيث أصبحت بعض المناطق صديقة للمغتربين بينما بعض المناطق الأخرى محفوظة ضمناً للكويتيين فقط[16]. لكن الاشكالية في خلل التركيبة السكانية لا تكمن فقط في زيادة عدد الوافدين بل تكمن في مستوى النمو الديمغرافي البطيء للكويتيين وخصوصا في المناطق الحضرية بعكس مناطق البادية. وتعد منطقة الأحمدي على سبيل المثال المنطقة الأسرع نموًا بمعدل نمو سنوي يبلغ حوالي 5.5 في المئة ومنطقة الجهراء 4 في المئة[17]. فيما لا يتعدى نمو سكان العاصمة نحو 2 في المئة[18] سنويًا.
المصدر : مركز دراسات الخليج العربي “CSR“
[1] أنظر احصائيات CSR بناء على احصاء توقعات اجمالي السكان حسب الجنسية والنوع للسنوات 2010-2050، مشروع “نافذة الكويت الديموغرافية”، معهد الكويت للأبحاث العلمية، https://www.alanba.com.kw/ar/kuwait-news/332196/14-10-2012-
[2] المرجع نفسه
[3] US Visa applications: What you need to know about the process, Kuwait Times, 13 october 2018, https://news.kuwaittimes.net/website/us-visa-applications-what-you-need-to-know-about-the-process/
[4] المرجع نفسه
[5] أنظر احصائيات ادارة الهجرة الأمريكية قسم green card، 2019، https://www.green-card.com/winner-statistics/
[6] أنظر دراسة زيادة طلبات اللجوء من الكويت CSR بناء على احصائيات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين
[7] أنظر أرقام وإحصائيات نشرها مصرف «إتش إس بي سي»، ضمن تصنيفه السنوي لأفضل وجهات العمل للمغتربين (أصحاب الكفاءات) من حيث آفاق التطور الوظيفي 2016.
[8] أنظر المرجع نفسه
[9]World Population growth, see ( https://ourworldindata.org/world-population-growth)
[10] أنظر دراسة CSR حول مستقبل هجرة العرب الى اوروبا
[11] أنظر الاحصاء السكاني اليومي، نظام الخدمات الاحصائية، الهيئة العامة للمعلومات المدنية، https://www.paci.gov.kw/STAT/Default.aspx
[12] أنظر احصائيات توقعات اجمالي السكان حسب الجنسية والنوع للسنوات 2010-2050، مصدر سابق
[13] المرجع نفسه
[14] معهد الكويت للأبحاث العلمية، المرجع نفسه
[15] معهد الكويت للأبحاث العلمية، المرجع نفسه
[16] Osman Gulseven, Forecasting population and demographic composition of Kuwait until 2030, International Journal of Economics and Financial Issues ISSN: 2146-4138 available at http: www.econjournals.com International Journal of Economics and Financial Issues, 2016, 6(4), 1429-1435 file:///C:/Users/user/Downloads/Gulseven_Published_Article_2658-8416-1-PB.pdf
[17] المرجع نفسه
[18] المرجع نفسه