بعد نحو عشر سنوات فقط، قد تفتح أوروبا أبواب الهجرة اليها على مصراعيها خصوصا أمام المهاجرين العرب والمسلمين والأفارقة كما لم تفتح من قبل. ففي عام 2030 أي بعد نحو 10 سنوات من اليوم، من المرجح أن يتضاعف عدد العرب والمسلمين في أوروبا إلى نحو 20 في المئة[1] من المجتمع الأوروبي، ليقفزوا من نحو 26 مليونا[2] اليوم الى نحو أكثر من 80 مليونا على الاقل بعد 10 سنوات. كما أن هذه الزيادة لا تعتبر كافية لشغل ملايين الوظائف الشاغرة التي سيتركها ملايين المتقاعدين بحلول 2030. فنحو أكثر من 100 مليون أوروبي[3] تعدوا 65 عاما، يعادلون نحو 19 في المئة من اجمالي سكان أوروبا (511 مليون نسمة)[4] من المرجح ان لا تستطيع اجيال أوروبا الجديدة تعويضهم. وهؤلاء حسب بعض التوقعات سيتركون فراغا كبيرا يبدأ واضح المعالم بين 2020 الى 2025 نظرا للتقلص المستمر لمعدل الولادات وارتفاع محتمل للوفيات.
تكشف اتجاهات الهجرة التي تناولتها هذه الدراسة أن العرب من المحتمل أنهم سيجدون فرصا مستقبلية للهجرة أكثر من اليوم بوتيرة مضاعفة خصوصا نحو أوروبا والدول المتقدمة كالولايات المتحدة وكندا. اذ تعاني الدول المتقدمة الصناعية من أكبر أزمة نمو ديمغرافي منذ الحرب العالمية الثانية وخصوصا قارة أوروبا. حيث فاق عدد الوفيات في أوروبا عدد الولادات سنويا. وباتت اوروبا تسجل سنويا عدد وفيات ناهز أكثر من نحو 8.17 مليون في أحدث احصاء[1] للأمم المتحدة يعود لعام 2015، مقابل 7.9 مليون من الولادات، أي أن أوروبا باتت تفقد الى الأبد متوسط نحو 330 الف نسمة[2] من شعوبها سنويا بدون أن يتم تعويضها من مواليد الجيل الحالي. حيث فقدت أوروبا بين 2005 الى 2015 نحو 3 ملايين و370 الف نسمة[3] بدون تعويضهم بمواليد جدد. هذا العدد مرشح الى أن يرتفع بشكل أكبر بين 2020 الى 2025 وصولا الى عام 2030 حيث سيبقى المجتمع الاوروبي يستنزف من سكانه الأصليين بعد تراكم أكبر فئة للعجائز في التركيبة السكانية الأوروبية، ويعود ارتفاع نسبة المتقدمين في السن بفضل زيادة أمل الحياة في أوروبا وتحسن الخدمات الصحية.
وعلى عكس الأوربيين الذي يفوق عدد وفياتهم السنوية عدد مواليدهم، فان اجمالي شعوب العالم العربي لا تتعدى وفياته 2 مليون و21 الف نسمة سنويا[4]، مقابل نحو أكثر من 9 ملايين[5] من المواليد الجدد سنويا. أي أن الفارق بينهم يصل الى نحو 7 ملايين لصالح المواليد الجدد، وبالتالي فان نسبة تعويض الاجيال ترتفع الى 5 أضعاف، بينما النسبة سالبة في أوروبا لصالح الوفيات. فالأجيال الحالية بالكاد تعوض الأجيال التي ترحل.
وبفضل استمرار النمو الديمغرافي الايجابي في العالم العربي حيث تستمر غلبة نسبة الشباب على مكونات التركيبة السكانية في العقود المقبلة، يبدو أن صغار السن من العرب سيكونون محظوظين بوجود فرص أكبر من اليوم بثلاث أضعاف على الأقل للهجرة نحو أوروبا. ونظرا للتواصل التاريخي والحضاري والقرب الجغرافي بين أوروبا وأفريقيا ومناطق العالم العربي وتحديدا منطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط MENA فان نسبة الوظائف التي سيتركها الأوروبيون العجائز ستكون متاحة أكثر لصالح العرب والافارقة. اذ يعتبر العرب والافارقة وكذلك الآسيويون من بين الاكثير اقبالا على الهجرة بفضل النمو الديمغرافي المتسارع.
وعلى صعيد آخر، فان ظاهرة تهرم سكان أوروبا (القارة العجوز) باتت تأخذ منحى تصاعديا دراماتيكيا. وباتت الحلول في الافاق متوسطة المدى من أجل ضمان بقاء أوروبا مزدهرة واستمرار توسع اقتصاداتها تعول على زيادة استقطاب المهاجرين وخصوصا من اصحاب الكفاءات. اذا أن الاقتصاد الاوروبي يستمر في النمو في ظل انكماش سنوي لحجم القوى العاملة من أصل أوروبي بسبب زيادة نسبة المتقاعدين والعجائز، فنحو أكثر من 53 في المئة من المجتمع الأوروبي تخطوا سن 50 واقتربوا من سن التقاعد وأكثر من 19 في المئة من الاوربيين هم فوق 65 عام والنسبة سنويا في ارتفاع[6].
ومن المتوقع أن يكون للهجرة الصافية أثراً متزايد الأهمية على الحجم المستقبلي للسكان. ففي أوروبا، لن تكفي الاتجاهات الحالية في الهجرة للتعويض عن إجمالي الزيادة في الوفيات على الولادات بين عامي 2020 و2025 بين الأوروبيين[7]، فانخفاض عدد السكان الأوروبيين سيكون أكثر بكثير مستقبلا من أعداد المهاجرين سنويا. والمثل ينطبق أيضا على أمريكا الشمالية، اذ يبدأ السكان في الانخفاض بالقيمة المطلقة في عام 2040 في إطار سيناريو الهجرة الصفرية، بينما في منطقة أوقيانوسيا سيكون التراجع في إجمالي التغير السكاني ضعفيًا بحلول عام 2050[8].
وبحلول عام 2050 من المنتظر أن تتغير كليا تركيبة السكان في أوروبا، اذ من المرجح أن تناهز نسبة المتقاعدين ومن هم وفق 60 نحو نصف اجمالي السكان الاوروبيين. وهناك توقعات أن يشكل العجائز فوق 65 سنة اكثر من نصف القوى العاملة الاوروبية في تلك الفترة[9].
ويتجه معدل تعويض العاملين الاوروبيين المتقاعدين بجيل من القوى العاملة الأوروبية الشابة الى الانخفاض، وستبلغ نسبة الانخفاض حدتها في عام 2050[10]. ولهذه الأسباب عمدت أغلب الدول الاوروبية الى اصلاح أنظمة التقاعد ورفع سن التقاعد الى متوسط 66 الى 67 عاما من اجل وقف نزيف نقص اليد العاملة الاوروبية الأصل.
2050: تغير خارطة القوى العاملة المهاجرة في العالم
بعد 30 عاما، من المرجح أن نظام العمل وتوزع القوى العاملة في العالم ستتغير. فسوق العمل في الدول المتقدمة صعبة الولوج اليها اليوم ستكون متاحة أكثر أسواق عملها للعرب مستقبلا. الى ذلك فان أفرادا وجماعات ودول في حالة قوة مطلقة اليوم مهددة أن تكون في حالة ضعف كبير بعد بضعة عقود فقط. فالقارة الأميركية والقارة الأوروبية مهددة أكثر من غيرها من القارات لتواجه مصير استنزاف سكانها الأصليين مع احتمال أن تضرب الشيخوخة السواد الأعظم من شبابها اليوم بدون نسبة تجديد كافية للأجيال القادمة.
هذه المعلومات التي توقعتها دراسة أعدتها الأمم المتحدة، إضافة إلى كتاب نشرته مجلة «ذي ايكونميست»[11] تشير الى أن التهديد الديموغرافي قد يعزز احتمال تغيير تركيبة سكان بعض الدول على غرار كندا والولايات المتحدة وأوروبا مع توقع زيادة هجرة الشباب الأجانب اليها وخصوصا القادمين من القارة الأفريقية ودول الشرق الأوسط ومن المرجح أن يكون أكثرية منهم مسلمون.
وبحلول عام 2050 ترجح توقعات دراسة الأمم المتحدة[12] أن نحو 2.5 مليار أفريقي سيكونون في صحة جيدة مقابل اكثر من 60 في المئة من سكان أميركا وأوروبا سيكونون عجائز. تلك الفترة أيضا ستشهد أعلى نسبة للشباب في الدول الأفريقية والمسلمة ما سيجعل هذه الأخيرة تتفوق على غيرها من بقاع الأرض في دفع النمو في العالم، وستكون سواعد الشباب المسلمين على سبيل المثال قادرة على تحقيق تنمية اقتصادية كبيرة خصوصا في الدول العظمى التي ستستنجد بهذه السواعد.
احصائيات أخرى تتعلق بتغيرات السكان في العالم في 2050 حسب الديانة توقعت أن نسبة المسلمين المستوطنين في الدول الغربية المتقدمة ستكون في ازدياد في المستقبل. اذ أكدت دراسة مركز الابحاث الأمريكي «بيو فوروم»[13] أن عدد المسلمين الشباب القادمين الى الدول المتقدمة على سبيل المثال أميركا هم في ازدياد مستمر وهم يستقرون في هذه الدول في اطار الاقامة الدائمة، ويمثلون عنصرا مهما في التركيبة السكانية لهذه الدول مع احتمال ان تزيد أهميتهم بزيادة عددهم في أفق 2050 مع الحاجة اليهم أكثر في ظل تراجع نسبة الشباب الغربي نتيجة لتراجع النمو الديمغرافي في البلدان الغنية.
ومن المرجح أن يرتفع نمو حجم المسلمين الى 26 في المئة[14] من حجم سكان العالم، أي أنه ببلوغ هذه النسبة من المرجح أن يكون معتنقو الديانة الاسلامية ينافسون على مستوى العدد معتنقي الديانة المسيحية، وفي توقعات لعام 2070 يرجح أن يكون معتنقو الديانة الاسلامية هم الأكثرية بين معتنقي مختلف الديانات في العالم اي بنحو أكثر من 34 في المئة من سكان المعمورة اي أكثر من ثلث البشر.
بعض التوقعات لا تستبعد أنه في بعض الدول ستقفز فيها نسبة المهاجرين بشكل كبير وبينهم المسلمين. فعلى سبيل المثال هناك توقعات أن نحو 30 في المئة من سكان كندا في 2031 سيكونون من القادمين من خارج البلاد، أي المولودون في دول أخرى ويستوطنون كندا للعمل. ومع 2050 ستكون نسبة الاجانب في كندا اكبر بكثير، حيث هناك احتمالات أن اكثر من نصف سكان كندا سيكونون من المهاجرين. وقد يمثل السكان الأصليون مستقبلا اقليات في حدود 20 الى 25 في المئة، وهذا بسبب تراجع نسبة مواليد الكنديات وارتفاع نسبة تهرم السكان[15].
الانفجار السكاني في آسيا قد يؤول الى تهرم غير مسبوق في 2050
انطلاقا من 2025 الى عام 2050 من المرجح أن يشهد العالم حركة نزوح وهجرة كبيرة من دول فقيرة الى دول غنية لتعويض نقص السكان والعاملين في الدول الكبرى مثل أوروبا والولايات المتحدة وكندا. وحتى الصين والهند حسب كتاب 2050 لمجلة “ايكونوميست” من المتوقع أن أنيشهد سكانها بعد أكثر من 3 عقود من اليوم تهرما عمريا، ويجعل قوة العمل الوطنية فيها محدودة لأنها تشهد اليوم تحديدا غير مسبوق للنسل لمقاومة الانفجار الديموغرافي فيها وهو ما سيؤثر على قوة العمل فيها وما سيسبب انتشار الشيخوخة لعدد كبير من مواطنيها نظرا لتراجع نسبة الأطفال اليوم بسبب سياسات تحديد النسل.
وفي عام 2050 ترجح التوقعات العالمية أن تزيد مؤشرات التفاوت في امتلاك الثروات بين العالم الغني والعالم الفقير، ومن المتوقع أن تزيد هجرة الثروات نحو العالم الفقير بفضل الهجرة العمالية. فاتجاهات الانفاق الحالية في الدول الغنية والكبرى تشير الى أن نسب الانفاق أصبحت منتفخة من أي وقت مضى بسبب ارتفاع تكاليف توفير الرعاية الصحية والمعاشات التقاعدية، وبحلول عام 2050 يتوقع في الصين على سبيل المثال أن ينخفض معدل النمو السنوي الى حوالي 2.5 في المئة بسبب زيادة المصروفات على المتقاعدين والعجز، لكن على الرغم من ذلك فإن آسيا ستسيطر على أكثر من نصف الاقتصاد العالمي مع حلول عام 2050 وذلك لاتجاهات النمو التصاعدية الحالية في كل من الصين والهند واليابان خصوصا.
2050 : تقلص التفاوت بين الغني والفقير وازدهار الذكاء الصناعي
تواجه الحياة في 2050 تحديات كبيرة محتملة مثل التحكم في تغير المناخ وادارة صراعات متوقعة على الموارد الشحيحة مثل المياه لتغذية أكثر من 9 مليارات نسمة حجم البشرية المتوقع بحلول عام 2050. لكن بعد 35 عاما من اليوم، هناك ترجيحات بأن الذكاء الصناعي سيتفوق على عدد من التحديات الطبيعية في المناخ. ومثلما ستتوافر القدرات لإدارة التحديات الطبيعية بفضل التطور العلمي، ستتاح الفرص أمام مليارات من الناس ليكونوا أثرياء خصوصا مع توقعات زيادة حركة الهجرة، وتحسن القدرة الانتاجية لشباب عام 2050، كونهم سيكونون أكثر ابتكارا، وأفضل تعليما، مع توقعات بتقلص التفاوت بين الأغنياء والفقراء وبين الرجال والنساء.
ومن المرجح حسب الأبحاث والنظرة المستقبلية في المؤشرات التنموية واستنادا على توقعات البنك الدولي، فان العالم في 2050 سيكون متحضرا أكثر ولا يقصد بالتحضر الأخلاقي، ولكن العيش في المناطق الحضرية، اذ أن اكثر من 70 في المئة من سكان الأرض سيعيشون في المدن.
أما الاستنتاج الثاني فيكمن في أن نحو نصف 2.3 مليار شخص إضافي في الكوكب سيكون من أفريقيا، وسوف تسهم الصراعات والاضطرابات في القارة الأفريقية ودول الشرق الأوسط في تعزيز هجرات الشباب والتوطن في الدول المتقدمة بحثا عن مكان أفضل للعيش.
ومن المرجح في عام 2050 أن الحدود ستفتح اكثر بين الدول حتى أن الحدود بين العالمين الحقيقي والافتراضي قد تختفي أصلا، وحتى الخيال العلمي حسب دراسة لجامعة هارفارد يمكن أن يصبح حقيقة في 2050، الى ذلك فإنه قد تسجل ولادة جديدة لأنواع منقرضة من الحيوانات والنباتات، وما هو أكثر من ذلك يتوقع اكتشاف حياة غريبة سيعيشها البشر.
المصدر : مركز دراسات الخليج العربي “CSR“
[1] أنظر Europe’s Growing Muslim Population, Pew Research Center, November 2017, http://www.pewforum.org/2017/11/29/europes-growing-muslim-population/
[2] المرجع نفسه
[3] انظر احصائيات معهد الاحصاء الاوروبي في 2019 https://ec.europa.eu/eurostat/statistics-explained/index.php/People_in_the_EU_-_statistics_on_an_ageing_society
[4] المرجع نفسه
[1] تقديرات CSR بناءا على قاعدة بيانات UN Population Division (2017 Revision) 2015 https://ourworldindata.org/world-population-growth
[2] المرجع نفسه
[3] تقديرات CSR بناءا على قاعدة بيانات UN Population Division (2017 Revision) 2015
[4] أنظر احصائيات تقرير “World Mortality 2017″، الأمم المتحدة، ص 14، http://www.un.org/en/development/desa/population/publications/pdf/mortality/World-Mortality-2017-Data-Booklet.pdf
[6] أنظر احصائيات مكتب الاحصاء الأوروبي Eurostat, le bureau de la statistique européenne géré par la Commissionhttps://www.challenges.fr/economie/statistiques-l-europe-ue-incapable-de-compter-ses-retraites_2705
[7] International Migration Report 2017 Highlights, Department of Economic and Social Affairs, United Nations New York, 2017, p19, http://www.un.org/en/development/desa/population/migration/publications/migrationreport/docs/MigrationReport2017_Highlights.pdf
[8] International Migration Report 2017 Highlights مصدر سابق
[9] International Migration Report 2017 Highlights مصدر سابق ،
[10] أنظر دراسة ” L Europe des retraites” ، مركز دراسات BPCE، 2010، http://www.observatoire.bpce.fr/l-europe-des-retraites.html
[11] أنظر الى كتاب أعدته مجلة «ذي ايكونميست» يدعى «التغيرات الكبرى في 2050»، يحملان تأكيدا أن “بلدانا مثل كندا والولايات المتحدة والصين واليابان وعددا من دول أوروبا مهددة بشكل غير مسبوق في أفق 2050 لتدخل عصر العجز البشري مع استمرار نموها الديموغرافي السالب”.
[12] دراسة قام بها القسم الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة حول توقعات السكان في 2050
[13] أنظر دراسة PEWRESEARCH مصدر سابق
[14] دراسة «السكان المسلمون في العالم : 1950 – 2020»، المجلة الدولية للعلوم البيئية والتنمية المجلد. 1، العدد 2، يونيو 2010
[15] دراسة كندية اقتصادية لـ «مجموعة بي بي اي (bpi)» عن تطورات قوة العمل في كندا مستقبلا في 2030 و2050