تراجعت مؤشرات تطبيق حقوق الانسان في دول الخليج. التراجع شمل مؤشرات مختلفة مرتبطة بالممارسات والقوانين. إذ تعثرت ممارسات حقوق الانسان وتقلص هامش الحريات بسبب زيادة صرامة تطبيق قانون الجرائم الالكترونية واستمرار حملة مكافحة الارهاب والتطرف التي عمت دول العالم والوطني العربي وبالأخص دول الخليج المحاطة بصراعات مختلفة.
وإن كان هدف الحملة الأمنية زيادة رص الصفوف وتعزيز الوحدة الوطنية بين مكونات المجتمعات الخليجية، فضلا عن تأمين الدول وشعوبها من آفة التطرف والارهاب إلا أنها في المقابل قلّصت هامشا من سقف الحريات في بعض الدول وأسهمت في زيادة التتبع والملاحقات الأمنية للناشطين والسياسيين وأصحاب الرأي والفكر.
نجحت سياسات دول خليجية عبر تعزيز الملاحقات الأمنية والقوانين الردعية الجديدة للسيطرة على تفشي ظاهرة التطرف والارهاب في تقليص حدة التهديدات الداخلية التي كانت تشكلها خلايا التطرف الفكري او العقائدي، وأسهمت قبضة الأمن في تراجع عدد المنتمين للتيارات المتشددة او اصحاب الميول للعنف والتطرف.
لكن بينما نجحت دول الخليج في التقليص من خطر الارهاب على أوطانها من خلال زيادة الرصد والمراقبة واستباق المخاطر، زاد في المقابل لجوء البعض بأسماء مستعارة لتشارك افكارهم وانتقاداتهم عبر شبكة الانترنت وخصوصا مواقع التواصل الاجتماعي. وهو ما يعني أن فضاء المراقبة والتتبع زاد على شبكة الانترنت ومواقع الاتصال استجابة لزيادة اللجوء الى المنصات الافتراضية بدل الفضاءات المباشرة من اجل التعبير او الانتقاد او تشارك افكار قد يكون جزء منه يدعو الى التطرف او الى الفتنة في وجهة نظر بعض الحكومات.
وبقدر حرص السلطات على رصد المنتقدين او المخربين المرجحين، يزيد عدد الناشطين وبعضهم بأسماء مستعارة للتعبير عن آرائهم بأفضل الطرق أمانا. وهنا يبدو أن مسألة مراقبة ناشطي الراي والتمييز بين من يهدف للتعبير عنة رايه للصالح العام ومن يسعى للتخريب او التطرف تبدو أكثر تعقيدا. وقد تكون عشوائية في بعض الأحيان وتجمع بين الناشط والمخرب في خانة واحدة. وبالتالي فان الحلول لمشكلة التهديدات الأمنية والمجتمعية التي يشكلها فضاء التعبير على الانترنت قد لا تكمن في الملاحقة الأمنية بقدر ما تكمن معالجتها في زيادة توعية المجتمعات وتشريك أفرادها وشبابها خصوصا في تبني ثقافة “حريات مسؤولة” مفيدة وليست هادمة.
حرية التعبير المسؤولة في الكويت: اشكاليات في التطبيق والفهم
مثلت الكويت احدى أكثر الدول الخليجية التي اعتمدت استراتيجية توحيد الصفوف من خلال الحملات الاعلامية الموجهة والتصريحات الرسمية. وكان التدخل السياسي فاعلا وسريعا وهادفا من أجل التأكيد على الحريات لكن مع الالتزام بنبذ الفتنة والطائفية التي يشجع على تواجدها التعصب الفكري، والتطرف المنعزل والطائفية. ولكن مواجهة هذه التهديدات على صعيد آخر كان محدود خصوصا. فقد اتسم دور منظمات المجتمع المدني بالمحدود في التوعية بالحريات المسؤولة. وكذلك كان دور البرلمان محدودا وخصوصا على مستوى مراقبة وتفعيل تطبيقات القوانين المتعلقة بحريات الراي والتعبير.
على سبيل المثال لم يتم بشكل رسمي في البرلمان الاستفسار عن تأخر تنفيذ القانون القاضي بانشاء الديوان الوطني لحقوق الانسان والمطالبة بالتسريع في عمل هذا الديوان. كما أن هناك نقصا واضحا في تعديل قوانين او تحديثها بما يتوافق مع حقوق الانسان مثل قانون الجنسية وقانون الحبس الاحتياطي، وقانون التأمينات، والشرف والأمانة. الى ذلك ينضاف لها مشكلة تفسير القوانين والمراسيم المصدرة عند التطبيق مثل قوانين أمن الدولة وقانون مكافحة الجرائم الالكترونية.
وتجدر الاشارة الى التناول البرلماني المحدود لتعديل قوانين كثيرة يثير عدم تعديلها او تحديثها مشكلات حقوقية آنية في المجتمع كقانون الجنسية على سبيل المثال او قانون أمن الدولة أو قانون العفو العام. والى ذلك لم يتم تقييم عمل الجهاز الرسمي لمعالجة اوضاع غير محددي الجنسية حيث ان اغفال النظر عنه يخفي قنبلة موقوتة في الشارع من خلالها تنتقد الكويت في باب الحقوق والحريات الأساسية في اغلب التقارير السنوية لمنظمة الأمم المتحدة ووزارة الخارجية الأميركية.
وفيما كان الدور الرقابي على تنفيذ القوانين وعمل المؤسسات محدودا بينت الدراسة ان اغلب التشريعات التي اتخذت على مستوى دول الخليج بما فيها الكويت على وجه الخصوص ردا على ظاهرة الارهاب، كانت قوانين غير مدروسة بشكل معمق. وكانت عبارة عن نتيجة لردود فعل لحظية وانفعالية، ومثلت تداعياتها زيادة تقييد للحريات واللجوء الى النقاشات وراء شاشات الحواسيب بدل ان كان النقاش علنيا.
زيادة مساحات التعبير الافتراضي مقابل تراجع دور الدواوين
تسارعت وتيرة انتقال منابر التعبير من الدواوين وفضاءات المجتمع المدني والجامعات والمؤتمرات المفتوحة الى الغرف المظلمة داخل وسائل التواصل الاجتماعي. وهذا ما دعا الى توقع تحول سريع لجزء كبير من المجتمعات الخليجية بامتياز الى مجتمعات الكترونية تبحث عن ملاذات التعبير افتراضيا.
وقد اثبتت الدراسات زيادة استهلاك الخليجي لوسائل التواصل الاجتماعي وخصوصا المختصة بالتعبير عن الراي بشكل اكثر من اي وقت مضى حيث ينشط نحو أكثر من 4 ملايين خليجي يوميا على “تويتر” وهم يمثلون تقريبا نصف اجمالي المستخدمين العرب لهذا الموقع. وهذا الانتقال الى استهلاك وسائل التواصل الاجتماعي بات يمثل تهديدا معاكسا خصوصا أن عددا من المنظمات الارهابية او الاجرامية او التيارات غير المعلنة وغير المشروعة باتت تنشط فعالية ووتيرة أسرع على هذه المواقع لاستيعاب أراء الغاضبين او المنفعلين او المكبوتة حرياتهم والذين يتم استهداف بعضهم والتغرير بهم عبر هذه المواقع ودمغجتهم تدريجيا وجعلهم اما متطرفين دينيا او فكريا او منعزلين سلبيين.
ولذلك فان التشجيع على ممارسة الحريات واتاحة منابر النقاش الحر والديمقراطي يسهم في تقليص لجوء الكثير الى منابر التواصل الافتراضي لأن جدواها ستتراجع طالما مساحة التعبير عن الحريات متاحة ومصونة في الفضاءات الطبيعية للمجتمع المدني.
نقص التوعية حول الحقوق والحريات يزيد من رواج ظاهرة الاشاعة
تقلصت أنشطة مجمل منظمات المجتمع المدني والأفراد في مجال حقوق الانسان والحريات في دول الخليج عموما عقب ثورات الربيع العربي وخلال السنوات الأخيرة لأسباب مختلفة أهمها التعارض مع بعض المحاذير السياسية أو تقلص الدعم الحكومي. وفي مقابل تراجع النشاط الجمعياتي، زاد الاقبال بشكل كبير على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير بشكل علني أو سري عبر مواقع أشهرها “تويتر”، و”أنستغرام”، و”سنابشات” و”فايسبوك”، و”تيلغرام”. وارتفع بشكل كبير عدد المستخدمين الكويتيين على سبيل المثال لموقع “توتير” بالأخص الذي تجاوز اكثر من نصف مليون مستخدم بواقع نحو 13 في المئة من اجمالي سكان الكويت ونحو تقريبا نصف الكويتيين، وزاد جمهور المتابعين والمتفاعلين. كما زادت عدد الحسابات الوهمية والتي اصبح بعضها منصات افتراضية للتعبير عن بعض الاراء أو لنشر بعض الأخبار كثير منها ينقصها الدقة.
وفيما وجد الخليجيون متنفسا في هذه المنصات للنشاط والتعبير او التفاعل حيث يصنفون من بين الأكثر استخداما لموقع “توتير” عربيا، زاد استهلاك الاشاعات المغرضة التي اثارت الكثير من التوترات الاجتماعية في المجتمعات الخليجية مثّلت في بعض الأوقات تهديدا لوحدة مكوناته المتجانسة. ولعل الجدل حول الازمة الخليجية احدث الامثلة على ذلك.
لكن معالجة هذه المشكلة ركزت على فرض قوانين ردعية جديدة اهمها قوانين الجرائم الالكترونية في اكثر من دولة خليجية. هذه القوانين وان استطاعت ان تكون رادعا قانونيا لأصحاب بعض الحسابات او المواقع الالكترونية الناشرة للأخبار، الا انه في المقابل مثلت دافعا آخر لتفاقم عدد الحسابات الوهمية أو غير المعروفة أصحابها على “توتير” وبقية المواقع الأخرى.
لذلك لم تمنع هذه القوانين الرادعة من استمرار وجود تزايد ظاهرة الاشاعات ونشر الاخبار غير الدقيقة كالتي تتعلق بوضع حقوق الانسان في دول الخليج والكويت.
ويمكن ذكر أبرز مثال على سوء استخدام هذه المواقع وبث الاشاعة، كيفية اندلاع الأزمة الخليجية التي بدأت بإشاعة خبر على مواقع الكترونية، وصاحبت هذه الأزمة حرب الكترونية وتبادل اشاعات على مواقع التواصل الاجتماعي وهي مستمرة الى اليوم وتتداول انتقادات متبادلة لمشكلات حريات الانسان في دول الخليج بين الحقيقة والتلفيق ما دفع بعض المنظمات الدولية كمفوضية حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة الى اعرابها عن قلقها حول وضعية حقوق الانسان في دول الخليج.
وفي مقابل توتر أزمة قطع العلاقات الخليجية وتداعياتها الاجتماعية والحقوقية، كانت ردة فعل الحكومات او منظمات المجتمع المدني على السواء فاترة في تصحيح المفاهيم المغلوطة حول تشويه مكتسبات حريات المواطن الخليجي.
وفاقمت القوانين والملاحقات الأمنية من اللجوء الى النشر السري الافتراضي للمعلومات وبث الاشاعات على مواقع التواصل. واصبحت مواقع الكترونية تتداول اخبارا عن الخليج غير موثقة وتبث اشاعات مستغلة فراع الدور الاعلامي التوعوي للجمعات المدنية التي يعتبر دورها الأساسي ايصال المعلومة وتشاركها بشكل مباشر وأمين مع الجمهور.
ومثلما نجحت المبادرات الشبابية التطوعية في تقليص السلبية عند الشباب وملاء وقت فراغهم بالإيجابية، فان زيادة المبادرات ونشاطات الجمعيات الحقوقية مطلبا ضروريا لزيادة استيعاب الاراء المختلفة. كما انها من المفترض أن تزيد من منابر الحوار المباشر وتوضيح المعلومات، ويصبح الجمهور يتلقى المعلومات مباشرة ومن مصادر موثوقة بدل الرجوع الى معلومات غير دقيقة منشورة على وسائل التواصل الاجتماعي قد تكون اغراضها التخريب أو بث الفوضى و الجهل.
تراجع نشاط المجتمع المدني في مجال الحريات
يتمثل تراجع النشاط الجمعياتي على سبيل المثال في الكويت على مستوى الندوات والبرامج الدورية او الخاصة التي تقدم للجمهور. ويعود التراجع لأسباب مختلفة أهمها التقشف في الميزانيات وتأخر اصدار التراخيص للجمعيات الجديدة كالتي لديها علاقة مع الحريات (على سبيل المثال الحركة الليبرالية الكويتية والتي اغلقت بموجب قرار حكومي) أو مشكلة توفير مقر ( على غرار جمعية حقوق الانسان الكويتية).
1- تأخر اعتماد واشهار الجمعيات المدنية :
اختلفت الأرقام في حصر اجمالي عدد مؤسسات المجتمع المدني الناشطة في الكويت لكن عدد من المصادر قدرت اجمالي عدد الجمعيات المدنية الكويتية بنحو 414 منظمة مجتمع مدني تعمل إلا أن 118 جمعية فقط وفق وزيرة الشؤون في تصريح لها تحصلت على اشهار رسمي أما البقية فتنتظر . وبالتالي ماتزال هناك جمعيات عديدة غير مشهرة.
ويمكن على سبيل المثال ذكر جمعية الحرية (الحركة الليبرالية الكويتية سابقا) والتي تأسست في آواخر 2016 لدعم الدولة الحديثة وممارسة الديمقراطية وفق مؤسسيها والتي مر عليها 9 أشهر منذ تأسيسها في ديسمبر 2016 لكنها حصلت على ترخيص الا بعد تغيير اسمها الى جمعية الحرية اعتراضا على اسم الليبرالية ولكن في النهاية تم حل مجلس ادارتها بعد أشهر من نشاطها.
2- تراجع فعاليات وبرامج الجمعيات المدنية:
تعاني اغلب الجمعيات المدنية الكويتية بما في ذلك العاملة في مجالات مرتبطة بالحقوق والحريات من عجز مالي كبير ومتراكم بسبب استمرار اعتماد اغلبها على شخصيات تمولها او على الدعم الحكومي، وهو بدوره ما اثر على محدودية توسع انشطتها، يضاف الى ذلك أزمة مقرات منظمات المجتمع المدني التي كثير منها حبر على ورق بسبب عدم توفر مقرات وامكانيات لرصد واعداد تقارير دورية ومنتظمة عم الحريات.
وقد تراجعت في السنوات الأخيرة مؤشرات الحريات وحقوق الانسان في التقارير الدولية عن الكويت على سبيل المثال ويمكن وصف اهم اسبابها في وجود لغط واستيقاء معلومات غير دقيقة بسبب فراغ نشاط المجتمع المدني ومحدودية التقارير الدورية لمنظمات حقوق الانسان الكويتية والتي بدورها مكلفة برصد وتوضيح صورة ممارسة حقوق الانسان الحقيقية في البلاد بكل استقلالية وشفافية والتدخل للانتقاد الممارسات الخاطئة او التعسفية للسلطة. جمعية حقوق الانسان الكويتية على سبيل المثال تراجعت أنشطتها بعد سحب مقرها في بداية 2017 وفق مديرها محمد الحميدي. وفي مقابل محدودية تقارير موثقة ودورية عن وضع حقوق الانسان في الكويت تزايدت مصادر كثيرة رقمية قد تكون غير دقيقة تقدم معلومات او بيانات عن وضع حقوق الانسان في الكويت وتستقي منظمات دولية بعض معلومتها منها. وعلى الرغم من وجود دستور وقوانين راعية لحقوق الانسان في الكويت الا ان المشكلة تكمن في الممارسة والتطبيق .
3- تأخر وتعثر تطبيق اعلان حقوق الانسان الخليجي وعدم الزاميته
شهد العالم العربي تغيرات جذرية وغير نمطية في الفترة من منتصف العام 2013 وحتى منتصف العام 2015، وذلك على الصعيدين السياسي والاجتماعي، وقادت إلى تأثيرات هائلة على وضعية حقوق الإنسان في جل المنطقة خاصة حقوق الإنسان، بجانب الانتهاكات الشائعة وأنماطها وما يرافقها من ظواهر سلبية، فقد وجدت الحكومات العربية ذريعة لتقييد حقوق الإنسان بدعوى حماية الأمن ومكافحة الإرهاب التي جاوزت مشكلة الارهابيين لتنال في بعض الأحيان من المعارضين او نشطاء الرأي.
ويواجه الحقوقيون في أنحاء المنطقة الخليجية، عوائق خطيرة، فتأسيس منظمة جديدة لحقوق الإنسان لا يزال اما ممنوعًا او يحتاج الكثير من العناء لإشهارها، ويظل التجمع السلمي للنشطاء في الأماكن العامة إما محظورًا وعليه الكثير من الرقابة الأمنية. ومن بين ابرز عوائق تعزز ممارسة حقوق الانسان عدم تطبيق اعلان حقوق الانسان الخليجي لعدم الزاميته وعدم الاتفاق على تشريعات موحدة تحمي حقوق الانسان الخليجي وخصوصا اثناء التعبير عن الراي. وقد شهدت دول الخليج ازمات كثيرة حديثة ابرزها تتعلق بالتعبير عن الراي وتقديرها القانوني. ما دفع الحكومات الخليجية الى ملاحقات نشطاء راي او سياسيين بتهم تتعلق بحرية التعبير او الانتقاد.
إعلان حقوق الانسان لمجلس التعاون في دلالة جديرة بالبحث، صدر في 10 ديسمبر 2014، وبعد اختتام أعمال اجتماعات القمة لقادة دول الخليج العربي في الدوحة. وجاء في ديباجة الاعلان أن الدول الأعضاء تؤكد أن الفضل في الانجازات التي حققتها في مختلف الميادين يعود إلى ما توليه دول مجلس التعاون من اهتمام ورعاية قصوى لقضايا حقوق الانسان. وهو تطور لافت في خطاب الأنظمة للشعوب في الداخل وللعالم، إذ ربطت الانجازات برعاية الحقوق. كما أكد الاعلان في ديباجته أيضًا على الالتزام بما ورد في ميثاق الامم المتحدة. بيد أن العديد من المحللين يرون أن صدور هذا الاعلان الخليجي ما هو إلا للرد على التقارير الحقوقية التي تحاصر غالبية دول الخليج باتهامات عدم الالتزام ببعض قوانين ومواثيق حقوق الانسان الموقعة عليه .
كما ان دخول الاتفاقية الأمنية الخليجية حيّز التنفيذ في العام 2012 قلّصت من هامش ممارسة حقوق الراي والتعبير . يذكر ان الدول الخليجية تعاهدت على اتفاقية تعالج قضايا التعاون الأمني بين دول المجلـس، وأصبحت هذه الاتفاقية سـارية المفعول بعد مضي شـهر من تاريخ اكتمال تصديق ثلثي الـدول الموقعـة بحلول 14 يناير 2014 ، وأصبح عدد الدول الخليجية التي انضمت إلى الاتفاقية خمس دول من أصل ست دول.
وقد حذر الكثيرون من خطورة مواجهة كهذه، لأنها ستستخدم بشكل واسع في تجريم انتقاد دول الخليج أو بالأخص الأنظمة او الحكومات. كما تنص مواد أخرى على تبادل المعلومات الشخصية للمواطنين والمقيمين بقرار من مسؤولي وزارة الداخلية. وتنص أحكام الاتفاقية على تقديم الدعم والمساندة لأي دولة طرف لمواجهة الاظطرابات الأمنية والكوارث المادة 10 .
وتتعارض بنود هذه الاتفاقية وفق منظمة “هيومن رايتس ووتش” مع عموم حقوق الانسان، بل تتضارب مجمل موادها ونصوصها مع التشريعات والقوانين الوطنية. وكشفت الممارسات الواقعية محور هذه الاتفاقية، محاكمة وتسليم المدافعين عن حقوق الانسان.
جدال الأمن أولاً أم حقوق الانسان والديمقراطية :
يحاجج البعض أن لا حقوق للإنسان مكفولة في غياب الديمقراطية كوسيلة لتحسين نظام الحكم والادارة. أما البعض الآخر يعتقد أن مفهوم الديمقراطية وحقوق الانسان يلتقيان في أساس جوهري واحد، ألا وهو تنمية المواطنة والاعتراف بها كمنبع لحقوق ثابتة للفرد. والاعتراف بالحقوق هنا لا يعني أكثر من التخفيف من شدة التسلط بما هو نفي للحقوق، ولا يطمح إلى أن يكون مطالبة بمشاركة إيجابية في بناء الارادة العامة .
لكن لا يمكن فصل الأمن عن ممارسة الديمقراطية والحريات، فالتسلط على الحرية من اجل زيادة الأمن يولد كبتا وضغطا اجتماعيا قد ينفجر في اشكال مختلفة ويتخذ اليوم اشكاله الافتراضية أو اشكال العنف والارهاب. وبذلك فان فرض الأمن يأتي من رغبة وقناعة الشعب في ضرورة وجود مناخ آمن يتحرك فيه ولا يمكن ان يسهم الشعب في استقرار هذا المناخ الآمن اذا لم يكن القانون منظما له ولتعاملاته بين بعضه ومع السلطة.
لذلك فان الأمن يأتي كنتاج لتطبيق الشعوب القوانين بكل عدل ومساواة وهو ما لا يقلص وجود الكبت والضغوط والدوافع السلبية لكسر النظام وخرق الأمن. وكاستنتاج لجدال الأمن اولا ام الديمقراطية فهما لا يمكن فصلهما. واذا فصل الأمن عن الديمقراطية يتولد استبداد، اما العكس فتتولد حالة فوضى. لذلك فان السلطات والبرلمانات يجدر بها ضمان علاقة تكامل بين استقرار الحريات والأمن والضامن زيادة فرض تطبيق القوانين بكل عدالة ومساواة.
زيادة وعي الشباب الخليجي بالثقافة التحررية
قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” مرارا في السنوات الأخيرة، إن الحكومات الخليجية حاولت إسكات منتقدين سلميين ردا على اتساع موجة نشاط رقمي في السنوات الأخيرة. وكان رد بعض الحكومات على زيادة موجة الانتقادات على الانترنت بالمراقبة، والاعتقالات، وعقوبات أخرى.
ورغم أن مبادئ حقوق الإنسان العالمية تبدو أكثر وضوحًا عبر تشاركها من خلال وسائل الاتصال والاعلام بأنواعه التقليدي والحديث، إلا أنها أصبحت في حكم المتعارف عليه بين أغلب النظم السياسية والقيمية والثقافية في العالم الحديث ولا تخفى عن أحد خصوصا شريحة الشباب.
وعلى الرغم من أن دعوات التحرر تعبر عن أفكار متناسقة مع تلك التي تدعو لها المنظمات الدولية أو على مستوى دعاة الحقوق الانسانية، إلا أن الأنظمة تحرص على مخاطبة شعوبها بخطورة هذه الدعوات التحررية داخل الوطن العربي.
وتستند بعض الأنظمة في الدول العربية ودول الخليج الى ذريعة تمدد دعوات التمييز القومي والعرقي والطبقي من أدل توحيد شعوبها عبر زيادة فرض حدود على الحريات وفرض معايير موحدة قد تختلف مع حالة التطور الطبيعي للمجتمع. لكن نشاط الشباب الخليجي على “تويتر” بشكل خاص زاد بحدة لرفض الخطاب الموحد القصري وتقلص منابر التعبير عن بعض الفئات.
لذلك، فإن الحديث عن ليبرالية الدولة وقيم المجتمع التحررية في منطقة الخليج يجانبه بعض الصواب، حتى أن مطالب الاصلاح المجتمعي بالعدالة والمساواة والتحرر ما هي إلا ضمن سياق رفض السيطرة الأجنبية والحصول على الاستقلال، والحرية الفردية، والتي اختزلت في حق التعليم والقضاء على الجهل والأمية ومحاربة البدع والخرافات، واعتماد الاسلام بمنظور العصر .
مشكلة الحريات لا تكمن في الدساتير والقوانين ولكن في التطبيقات والاجراءات
في الكويت على سبيل المثال، تستمر الجمعية الكويتية لحقوق الانسان في نشاطها على الرغم من سحب مقرها. وكانت قد تأسست عام 1988 كفرع من المنظمة العربية لحقوق الانسان، وهي هيئة غير حكومية تهدف إلى حماية حقوق الانسان وتعزيزها في الكويت والوطن العربي طبقًا للمعايير الدولية التي استقر عليها إجماع الامم المتحدة والمواثيق والعهود الدولية التي صادقت عليها البلدان العربية.
بالإضافة الى الجمعية الكويتية لحقوق الانسان توجد هناك الجمعية الكويتية للمقومات الأساسية والتي تأسست عام 2005، وحددت رسالتها في العناية بحقوق الانسان وتأصيلها من منظور الشريعة الاسلامية معتبرة إعلان القاهرة لحقوق الانسان في الاسلام، الصادر عن مؤتمر العالم الاسلامي، دستورًا لها.
ورغم الاتفاق الظاهر لجهود الجمعيتين في تعزيز ثقافة حقوق الانسان في الكويت، وجهودهما في عمليات الرصد والتوثيق، إلا أن الفوارق تبدو أكثر وضوحًا عند الاقتراب من المرجعيات التي ترتكز عليها كل جمعية وخاصة في ما يتعلق بعقوبة الاعدام، والحق في الحياة والحق في حرية المعتقد.
خطر الاســتقطاب الخارجي للحقوقيين
يعاني خطاب المدافعين عن حقوق الانســان في الخليج من الاســتقطاب الخارجي الذي انعكس سلبًا علــى العمل الحقوقي ميدانيًا وعلى حياة وســمعة المدافعين فــي محيطهم. إذ لا يمكــن غض النظر عن ازدواجية المعايير الغربيــة، وبخاصة القــوى الكبرى كالولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنســا، التي تقدم الدعم العســكري والأمني للأنظمة بيــد، وتدعم بالمال المنظمات الحقوقية وبعض الناشــطين في المنطقة بيد أخرى. وتعتبر صفقات الســلاح الضخمة التي تعقدها هــذه القوى، والتزويد المتواصــل للأجهزة الأمنية الخليجية بتقنيــات متقدمة للمراقبــة والتحكم والتنصت على الفاعلين فــي المجتمع المدني فــي الداخل، هي برامج ذات تقنية عالية وفاعلة.
أهمية دعم حقوق الانسان في المناهج التربوية
أصبح تعلم مبادئ حقوق الانسان، وبث هذه المبادئ في مناهج الدراسة، ومنذ المراحل الأولى للناشئة، وبأساليب محببة وبسيطة ومعززة بأمثلة جاذبة وحية من التجارب الانسانية الثريةُ في العالم ملحًا للتخفيف من حدة رفض هذه المبادئ التي ما من سبب واضح لها سوى العراقيل الثقافية السطحية المتعلقة بطرائق تنشئة ووسائل تربية، يمكن فهمها وتفكيكها واستبدال غير النافع منها. ويجنّب الادراك المبكر لمبادئ حقوق الانسان تعليمًا وتعلمًا جميع الأطراف مألات الصدام الدائم الضارة بمسارات التنمية المستدامة للبشر والبلدان.
قوانين الجرائم الالكترونية وحدودها الحقوقية
يتضمن القانون الكويتي الجديد الخاص بجرائم تقنية المعلومات قيوداً واسعة المدى على التعبير الإلكتروني تخرق التزامات الكويت بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان. وبات ملحا على مجلس الأمة، الذي وافق على القانون في 16 يونيو2015، أن يعيد النظر فيه لإزالة تلك البنود.
ويفرض قانون جرائم تقنية المعلومات عقوبات جنائية على جرائم من قبيل اختراق الأنظمة الإلكترونية واستعادة البيانات الشخصية دون ترخيص، علاوة على الاحتيال ونشر المواد الإباحية وممارسة الإتجار في البشر عبر الإنترنت. إلا أن المادتين 6 و7 توسعان نطاق الحظر القائم المفروض على المطبوعات بحيث يشمل تقريباً أي نشر للمعلومات على الإنترنت، بما في ذلك الصحافة الإلكترونية والاستخدام الخاص لمواقع التواصل الاجتماعي والمدونات .وسنت أغلب دول الخليج قوانين ونظم مكافحة جرائم تقنية المعلومات.
التوصيات
1- دعم زيادة أنشطة جمعيات حقوق الانسان والحريات في مختلف مجالات
2- دعم نشاطات الندوات الفكرية والحلقات النقاشية عن الحريات في الجامعات
3- دعم وجود مؤتمرات دورية للشباب ومسؤولي الدولة للحوار حول مواضيع حقوقية والتعبير عن مختلف الاراء
4- اقامة منصة افتراضية تفاعلية تتعاون فيها الحكومة ومنظمات الحقوق الانسان لايصال المعلومات الصحيحة والرد على اي استفسار او اشاعات قصد التخريب
5- تعزيز الحريات في الفضاءات الطبيعية يقلص تجنيد المتطرفين الدينيين او السياسيين على مواقع التواصل الاجتماعي
6- زيادة التوعية اكثر حول جرائم السمعة والتطرف على منابر التواصل الاجتماعي
7- تعزيز الدور الرقابي للبرلمان للحيلولة دون عدم انتهاك القوانين المسنة حديثا المرتبطة بحقوق الانسان
8- عمل لجنة رقابية لتسجيل انتهاكات القوانين المتعلقة بحقوق الانسان
المصدر : مركز دراسات الخليج العربي “CSR“